في آذار (مارس) من عام ٢٠١١، نشرت مجلة Vogue مقالاً عبارة عن بورتريه لأسماء الأسد حمل عنوان «وردة في الصحراء» من توقيع جوان جولييت باك. مراسلة المجلة الأميركية قابلت السيّدة السورية الأولى في دمشق، ورافقتها في عملها، وتناولت الطعام على مائدتها في القصر الرئاسي، بحضور الرئيس بشار الأسد وأولادهما. بعدها، كتبت مقالها الذي عدّدت فيه المزايا التي رأتها في تلك «الشابة، خفيفة الظلّ، الأنيقة جداً والأكثر جاذبية بين زوجات الرؤساء العرب الباقيات». لكنّ «وردة في الصحراء» أثار انتقادات شديدة بعد تسارع الأحداث الدموية في سوريا، فسحبته «فوغ» عن موقعها الإلكتروني في شهر أيار (مايو) عام ٢٠١١.
منذ أيام، عاد بورتريه السيّدة الأولى الى الواجهة، لكن من خلال جوان جولييت باك هذه المرة. الصحافية التي «لم يجدد عقد عملها» مع «فوغ» هذا العام، قررت الخروج عن صمتها وإعلان الدوافع التي جعلتها تكتب بورتريهاً إيجابياً عن الأسد، وخصوصاً أنّ ذلك كلّفها «رزقها وانتهاء مسيرتها مع «فوغ» التي بدأتها منذ أن كانت في الـ 23 من عمرها» على حد تعبيرها. وفي ما يشبه تلاوة فعل الندامة، روت الكاتبة بعض التفاصيل غير المنشورة عن فترة زيارتها لسوريا تضمّنت بعض الأخطاء المهنية المميتة. وفي تعليقاتها الشخصية عن أسماء وبشار الأسد، انحدرت الى مستوى الشتم. أما في دفاعها عن نفسها، فحمّلت مسؤولية هذا البورتريه للمجلة التي استغنت عنها.
في مقال نشر في مجلة «نيوزويك» وعلى موقع «ذي دايلي بيست» بعنوان «حواري الشهير مع الأسد، سيّدة جهنّم الأولى»، هاجمت باك كل من كان له علاقة بمقالها السابق. حمّلت مجلتها مسؤولية مضمون المقال وتوقيت نشره واختيار عنوانه، وشرحت كيف ألحّ عليها مسؤول التحرير في المجلّة للذهاب الى سوريا ولقاء الأسد «بناءً على طلب قسم العلاقات العامة الخاص بالقصر الجمهوري السوري ووكالة Brown Lloyd الأميركية للعلاقات العامة ومتدرّبة لم تكن سوى ابنة السفير السوري في الأمم المتحدة». حينها، قدّمت باك حججاً كثيرة للامتناع عن الذهاب إلى دمشق، منها «أنّهم لا يريدون لقاء صحافية يهويدية» أو «ارسلوا صحافياً سياسياً»، لكنّها انصاعت أخيراً لقرار مسؤول التحرير.
واعتبرت الصحافية التي تعتدّ بخبرتها المهنية والحوارية الطويلة وتحقيق نجاحات مع «فوغ» أنّها «ضحية مخدوعة» من قبل مسؤوليها و... ضيفتها. لكن، لماذا كتبت عن المشاريع الواعدة التي تقوم بها سيّدة سوريا الأولى في البورتريه السابق؟ وكيف تحوّلت السيّدة «المرحة والذكية والأنيقة» الى امرأة «خادعة ومؤامراتية وقاتلة» بالنسبة إلى الكاتبة نفسها؟ بعدما بدت في البورتريه مذهولة بثياب أسماء الأسد وأناقتها وحديثها المقنع وغير المتكلّف وطريقة تعاملها مع المحيطين بها من جيران وشباب في العمل، تذمّرت باك في مقالها الأخير من «إظهار العائلة الثرية طريقة عيشها إلى العلن» ولفتت الى «لهجة الأسد المؤامراتية وحبّها للأسرار»، قائلةً: «لم أكن أعلم أنّي سأقابل قاتلة». وبعدما أخبرت في مقالها الأول بعض النكات التي تلاها الرئيس الأسد على مائدة الطعام ولم تبدُ منزعجة منها حينها، وصفته في مقالها الأخير بـ«الشيطان»، مشيرة الى أنّ «نكاته لم تكن مضحكة».
قد يبرّر البعض ربما هذه الازدواجية من منطلق أنّ الصحافية تعرّضت لضغط من رب العمل لإنجاز المطلوب منها، لكنّ اللافت أنّ ازدواجيتها شملت رأيها في دمشق وأسواقها القديمة التي وصفتها في المقال الأول بـ«نسخة عن ساحة سان مارك في البندقية»، ثم لمّحت في المقال الثاني الى «وجود سجن متنقّل عند أحد مداخلها». وذهبت الى تسجيل تعليق ساذج وغير مهني حول سوريا حين قالت إنّه «حتى كلمة سوريا أوحت لي بأمر شرّير»! هذه الجملة بالذات ألّبت عليها كثيرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ولم تنس باك إضافة بعض الملاحظات العنصرية في ردّها الغاضب حول «الرجال السوريين الذين ينتعلون أحذية تعود إلى حقبة الثمانينيات ويرتدون سترات جلدية غير متناسقة» هي التي كانت قد ذكّرت في مقالها الأوّل بـ«تراث سوريا العريق وبدمشق وحلب بوصفهما مهدَي الحضارة».
تفاوتت ردود الفعل إزاء فعل الندامة هذا على الساحة الإعلامية. بعض الصحافيين الأميركيين والبريطانيين حيّوا «شجاعتها وصراحتها»، فيما رأى آخرون أنّ مقالها الأخير «كان أسوأ من المقابلة نفسها».