دمشق | «في مثل هذا اليوم من كل عام، كنّا نصل الليل بالنهار، نقيم في المقهى ونأتي إلى البيت للنوم بضع ساعات ثم نعود إلى العمل بسبب الضغط الهائل الذي كان يواجهنا. حتى أنّ مسألة تأمين طاولة في فترة بعد الإفطار كانت أمراً في غاية الصعوبة» يفصح زاهر النادل الشهير في مقهى «الروضة» في حديثه مع «الأخبار» متذمراً من الوضع الذي استحاله أشهر مقاهي الشام بسبب أحداث دمشق الأخيرة. «برلمان الثقافة السورية» ــ كما يسميه كثيرون ــ فقد جزءاً من ألقه بسبب غياب روّاده من النخبة الفنية والثقافية التي كان تواجدها سبباً في ازدحامه كنجم الوسامة جمال سليمان الذي استقر أخيراً في مصر. لا يختلف حال بقية المقاهي الدمشقية عن «مقهى المثقفين». عند أوتوستراد المزة، كان تعمر السهرات الرمضانية في المقاهي الحديثة التي كانت تزدحم بنجوم الدراما السورية ممن فضّلوا متابعة أعمالهم في تلك المقاهي واستطلاع آراء الناس المتواجدين هناك. لكن هذه الأيام، أُفرغت تلك الأماكن من زوارها الذين يعتبرون مجرد ارتيادها مغامرة محفوفة بالمخاطر. ورغم عودة الهدوء إلى عاصمة الأمويين، إلا أنّ الحذر ما زال يسيطر على المزاج العام. وفي مقابل خلو المقاهي من روادها وتسلل الكآبة إلى نفوس بعض العاملين فيها، هناك أماكن أخرى في دمشق ما زالت «تنعم» بإزدحام منقطع النظير وحيوية عالية ولو لمرة واحدة في الشهر. إنّها كوات الصراف الآلي ( ATM) التابعة للمصرفين العقاري والتجاري السوري. فقد سبق للحكومة أن أنجزت مشروع تحويل رواتب موظفيها إلى الصرافات. لكن مع تطبيق الفكرة، بدا واضحاً النقص الكبير في عدد الصرافات ما خلق أزمة مع مطلع كل شهر جعلت الموظفين يصطفون أمام الصرافات في طوابير تشبه طوابير انتظارهم أمام محطات الوقود في عز أزمة المازوت. ما جعل الدولة تزيد عدد الصرافات فأسهمت في تراجع الأزمة. لكن مع تفاقم الأوضاع الأمنية، عادت ظاهرة الازدحام مصحوبة بمحاولات استطلاع سريعة لدى الموظفين الذي يجرون اتصالات عدة لتقصي أحوال الصرافات التي تحمل رصيداً من الأوراق المالية. وما أن يأتيهم خبر يقين عن أحدها، حتى يهرعوا نحوه بأقصى سرعة وينتظروا ضمن الطابور من دون كلل. لكن سوء الحظ يلاحقهم أحياناً. حين يصل دورهم، قد تصفعهم جملة: «عذراً الصراف خارج الخدمة» ممهورة بالإشارة الحمراء التي تعني انتهاء الرصيد. لكنّ نضال الموظفين للحصول على رواتبهم سيجعلهم ينتقلون إلى صرّاف ثان وثالث حتى يعودوا بالراتب الموعود! وما إن تنقضي بضعة أيام على الشهر الجديد حتى تتلاشى الأزمة وينتهي موسم الازدحام الدمشقي الوحيد هذه الأيام.