دمشق | لم يعد خافياً على أحد حجم استهداف الإعلام السوري ومؤسساته والعاملين فيه، رغم توجيه سهام النقد الدائم إلى هذا الإعلام بسبب الطريقة التي يتعاطى بها مع الأحداث والسطحية التي يتناول بها بعض المجريات على الأرض. مع ذلك، تبذل الدول الحليفة للمعارضة السورية جهوداً حثيثة لإسكات فضائيات النظام السوري، حتى إنّ هناك معطيات تشير إلى أنّ الصراع سيبلغ لحظة يغيّب فيها صوت الإعلام السوري كلياً إضافة إلى صوت بعض المحطات الموالية له مثل «المنار» و«العالم» وnbn. هذه الخطة تهدف بشكل رئيس إلى توجيه الأحداث في سورية إعلامياً بالشكل الذي يدعم حسم الصراع لمصلحة المعارضة.
بعد توصية وزراء الخارجية العرب بحجب البث الفضائي للمحطات السورية الرسمية وتلفزيون «الدنيا» عن قمر «نايل سات»، انتقل استهداف المحطات الفضائية التابعة للنظام السوري إلى مرحلة جديدة دشّنتها التفجيرات التي تعرّضت لها منذ شهرين استوديوات المحطة الإخبارية السورية في منطقة دروشا (جنوب غرب دمشق) ومقتل ثلاثة من موظفيها كانوا في دوامهم الليلي («الأخبار» 28/6/2012)، فيما سجل يوم أمس حادثة جديدة هزت الأوساط الإعلامية في سوريا.
في الساعة التاسعة والنصف من صباح أمس، انفجرت عبوة ناسفة في مبنى «الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون» في دمشق بعد تثبيتها في الطبقة الثالثة التي تضم مكاتب الإدارة من المدير العام للإذاعة والتلفزيون إلى مدير التلفزيون ومدير القناة الأولى، إضافة إلى مكتبين خُصِّصا أخيراً للمحطة الإخبارية بعد تعرّضها للتفجير الشهير، إلى جانب غرف التحكم بالفضائية السورية والقناة الأرضية.
علماً بأنّ مكتب وزير الإعلام السوري يقع في الطبقة الأولى. لحسن الحظّ، مرّت الحادثة من دون تسجيل وفيات، مكتفية بثلاث إصابات تعرّض لها فنيون. وقد ذكرت مصادر من داخل التلفزيون السوري لـ«الأخبار» أنّ فني الإضاءة عماد عيناوي أصيب في التفجير، إضافة إلى إصابات طفيفة لفنيتين من قسم التنسيق. أما عن الأضرار المادية، فقد أكّدت تلك المصادر أنّ ضرراً كبيراً لحق بغرف الكونترول الخاصة بالقناة الفضائية والأرضية، وقد سمع صوت الانفجار لمشاهدي التلفزيون السوري أثناء فترة البث المباشر على الفضائية.
ورغم مرور الحادثة من دون وقوع ضحايا، إلا أنّها فعلياً حققت هدفها الحقيقي بزرع الرعب لدى العاملين في التلفزيون السوري الذين بدأوا يتحسسون الخطر الحقيقي بعد اختطاف الإعلامي والمذيع المعروف محمد السعيد، وإعلان «جبهة النصرة لأهل الشام» الإسلامية أنّها قتلته من دون تأكيد الخبر حتى الآن، أو بث نعي رسمي له على المحطات السورية. أضف إلى ذلك اختطاف مسلحين في دمشق السبت الماضي موظف قناة «التربوية» السورية محمد علي حسين، والمصوّر في التلفزيون السوري طلال جنبكلي... كل ذلك جاء مقدمة لتفجير الأمس ليتسيد الخوف المشهد ويجعل عدداً من الإعلاميين السوريين يمتنعون عن التصريح لدى اتصالنا بهم، وهو ما فعله عدد من المديرين التلفزيون أيضاً. لكنّ أحد المذيعين المشهورين الذي فضّل عدم ذكر اسمه صرّح لـ«الأخبار» بأنّ المشكلة «أننا خارج اللعبة
الحقيقية.
رغم ذلك، صرنا نتلفّت حولنا ونحن نسير في شوارع دمشق بعد حادثة اختطاف محمد السعيد». وزير الإعلام السوري عمران الزعبي قال في اتصال مع التلفزيون السوري إنّ الأخير «مستهدف بسبب جرأته». وقال: «بالمعنى السياسي، نعرف من يقف خلف هذه العمليات (...)»، وخلف هذه «المجموعة المتآمرة في قطر أو السعودية أو تركيا أو الموساد أو أي جهة أخرى»، مؤكداً أنّ الهيئة العامة للتلفزيون ستواصل عملها. إذاً، الحرب باتت مكشوفة أكثر من اللازم واستهداف الإعلام السوري والعاملين فيه يسطّر فصلاً جديداً من حكاية القتل أو الترهيب وسط صمت المعارضة في الوسطين الفني والإعلامي حتى
الآن.