في عام 1973، سطت مجموعة لصوص على أحد المصارف في استوكهولم، واحتجزوا مجموعة رهائن لمدة ستة أيام. في هذه الفترة، استطاع الخاطفون تأليب الرهائن، واستدرار عطفهم، إلى أنّ راح هؤلاء الضحايا يدافعون عن خاطفيهم بعد إطلاق سراحهم. نتذكّر هذه الحادثة أو ما اصطلح على تسميته «متلازمة استوكهولهم» (أي تعاطف الضحية مع جلادها) ونحن نشاهد النشرات والملاحق الإخبارية على شاشاتنا هذه الأيام، وتعليقات مواقع التواصل الاجتماعي التي حقّقت رقماً قياسياً في استخدام هذا المصطلح.
تحاول بعض وسائل الإعلام تكريس هذه المتلازمة في قضية المخطوفين اللبنانيين الـ 11 في سوريا. في ظل المنافسة و«تناتش» السبق الصحافي بين قناتي «الجديد» و«المؤسسة اللبنانية للإرسال»، ضاع أهالي المخطوفين ومعهم المشاهدون في مواكبة هاتين المحطتين للقضية التي تحولت إلى تلفزيون واقع... لكن أي واقع؟ في تطوّر لافت، انتقلت التغطية الإخبارية من الاستديوهات إلى الأرض، وتحديداً إلى مدينة أعزاز السورية حيث يوجد المخطوفون منذ أول من أمس، أي عندما «لبّت» وسائل الإعلام دعوة المسمى أبو إبراهيم للمجيء إلى هذه المدينة الواقعة على الحدود التركية السورية. شُغلت قناة LBCI أول من أمس بملاحقها الإخبارية المتلاحقة للقول للمشاهدين: «نحن موجودون هنا أمام الحاجز الحدودي التركي في انتظار أبو إبراهيم ليقلّنا إلى الداخل». كذلك، فعلت «الجديد» التي كانت السباقة إلى افتتاح أول حلقة من تلفزيون الواقع أمس حين أخذت علي عمر ابن المخطوف حسين عمر معها إلى سوريا... لتنتقل بعدها العدوى إلى LBCI.
واللافت في الخطاب الذي استخدمته الوسيلتان الإعلاميتان هو محاولتهما تغيير الوقائع، وتحويل الجلاد إلى ضحية وتعميم ذلك على الرأي العام. كان ذلك من خلال تبنّي لغة الجناة واستخدام مصطلحات أطلقها الخاطفون، وانتقلت إلى الإعلام اللبناني. عملية الخطف واحتجاز اللبنانيين الـ 11 والاعتداء على حريتهم تحوّلت إلى «استضافة» قام بها الخاطفون، وعلى رأسهم أبو إبراهيم «حاتم طي» عصره الذي توارى في الظل وترك المخطوفين يتحدثون بلسان حاله وحال «الثوار». لازمة كررتها مراسلتا المحطتين تانيا مهنا (أل.بي.سي)، ونوال بري (الجديد) في رسائلهما المباشرة المتلفزة أو الهاتفية، وتحديداً في المقابلة الشهيرة التي بثتها «ال. بي.سي» أول من أمس خلال اللقاء الحيّ بين مراسلي المحطة (تانيا مهنا وسعيد بيتموني) والمخطوفين. هنا، فُتح الهواء لمدة أربعين دقيقة للمخطوفين لـ«تلاوة» آراء سياسية، ليس صعباً تكهّن أنّها فُرضت عليهم. في خلاصة هذا اللقاء، جرى التأكيد أنّهم بخير وبصحة جيدة وأنّ راعيهم «أبو إبراهيم» هو أقرب إلى الأب في المعاملة وحسن الضيافة. كذلك، لم تنس المحطة عرض الدمار الحاصل في هذه المدينة جراء ما قالت إنّه ناجم عن قصف للجيش النظامي. تفصيل قد يبدو عرضياً للبعض، لكن المدقق في المقابلة يعلم جيداً أنها تأتي ضمن سياق واحد هو تكريس وجهة نظر الخاطفين والترويج لهم. بعدما أصابتها عدوى تلفزيون الواقع، لم تكتف المحطة ببث للقاء الحيّ، بل اصطحبت معها أدهم زغيب نجل المحتجز علي زغيب، وحسين إبراهيم شقيق المختطف عوض إبراهيم. بتنا أمام حلقات من تلفزيون الواقع الذي يقتات على التلصّص واستثمار مأساة إنسانية حتى الاستنزاف. كيف ننسى عدسة الكاميرا المثبتة على وجوه المختطفين وذويهم، وانتهاكها لحميمية اللقاء بعد الفراق؟ لا شك في أنّ عجز الحكومة عن حلّ القضية ومواكبتها والوقوف عند حال الأهالي، أفسحت في المجال أمام الإعلام للدخول على الخط واللعب بعواطف هؤلاء عبر ضخ مفاهيم مخترعة متبناة من الخاطفين. في المحصلة، تحولت قضية المختطفين في سوريا إلى «سلعة» واستعراض تتبارى خلاله المحطتان على تحقيق السبق! قد يقول أحدهم إنّ هناك ظلماً واقعاً على أهل الإعلام بسبب الظروف الموجودين فيها والضغوط أو الشروط التي يمكن أن يضعها الخاطفون عليهم في تغطيتهم للحدث، إلا أنّه عند كل مفترق أو حادثة في لبنان، يعجز الإعلام في رسالته المتوخاة أي تحقيق مصلحة الرأي العام ويسمح بأن يتحوّل إلى مجرّد أداة، ولن تكون قضية المخطوفين نهاية هذا الفصل الحزين.