القاهرة | المخاوف من سيطرة الإخوان المسلمين على الصحف القومية في مصر، كانت سبباً في امتناع عدد من الإعلاميين عن كتابة مقالاتهم في ثلاث صحف مستقلة («الوطن»، «التحرير»، «المصري اليوم») أمس الخميس، لتحلّ مكانها مساحات بيضاء. يأتي هذا التحرك الاحتجاجي عقب إعلان مجلس الشورى ذي الأغلبية المنتمية إلى الجماعة، الأسماء الجديدة لرؤساء تحرير الصحف والمجلات القومية (الأخبار 8/ 8/ 2012). طبعاً، جاءت الأسماء إما إخوانية، أو من دون أي توجهات سياسية. لكنّ الغريب أنّ الكتّاب في الصحف الحكومية لم يشاركوا في هذا الاحتجاج، بل واصلوا عملهم كأنّ شيئاً لم يكن.أتى هذا الاحتجاج استجابة للدعوة التي وجّهها أعضاء من «المجلس الأعلى للصحافة» ومجلس «نقابة الصحافيين» خلال اجتماع أقاموه الثلاثاء الماضي. بعدها، أعلن المجتمعون اعتزامهم الاحتجاب عن كتابة مقالاتهم، موجّهين دعوة إلى «المجلس الأعلى للصحافة» لعقد اجتماع طارئ بهدف بحث ما يجري في الإعلام المصري «من استبدال هيمنة «الحزب الوطني الديمقراطي» المنحلّ بحزب «الحرية والعدالة» الإخواني». أما الإعلاميون الذين امتنعوا عن الكتابة أمس، فقد تركوا مساحات بيضاء في المكان المخصص لمقالاتهم أو اكتفوا بجملة تعبّر عن موقفهم: كتب جمال فهمي (التحرير): «هذه المساحة بيضاء اليوم قرفاً واعتراضاً واحتجاجاً على «التوريث» الذي لم يسقط بسقوط المخلوع وولده، وإنما يبدو أنّ جماعة الإخوان المسلمين تحاول الآن إحياء «رمته» بعدما أصابها العمى والغرور، فباتت تظن أن بمقدورها وراثة مصر كلها (...). هذا احتجاج ضد سطوهم على الصحف ووسائل الإعلام العامة المملوكة للشعب المصري، تماماً كما كانت تفعل عصابة المخلوع قبل الثورة». وحذا حذوه رئيس تحرير صحيفة «الوطن» مجدي الجلاد، ومحمد أمين (المصري اليوم)، وعمر طاهر (التحرير) وآخرون.
ردود الفعل على الأسماء التي اختارها مجلس الشورى وصلت إلى داخل المؤسسات الإعلامية المعنية، لكنّ التحركات ما زالت بطيئة. أول الغيث قيام العشرات من صحافيي جريدة «الأهرام» بتنظيم وقفة احتجاجية أمس أمام مكتب رئيس التحرير الجديد عبد الناصر سلامة اعتراضاً على اختياره للمنصب، خصوصاً أنّه هاجم مراراً «ثورة 25 يناير» في مقالاته. وفي الإطار نفسه، تقدم رئيس تحرير جريدة «الأسبوع» مصطفى بكري باستقالته من عضوية «المجلس الأعلى للصحافة»، ومن رئاسة «لجنة شؤون الصحافة والصحافيين»، احتجاجاً على ما وصفه بـ«أخونة الصحافة المصرية». وأضاف بكري أنّ «الوقائع تؤكد وجود مخطط لأخونة الصحافة وفرض رقابة من نوع جديد على حرية الصحافة (...) لم تشهده أكثر العهود استبداداً في البلاد». أيضاً، وقّعت 27 منظمة حقوقية بياناً مشتركاً أعربت فيه عن وقوفها في خندق واحد مع الصحافيين «في مواجهة محاولات «حزب الحرية والعدالة» للهيمنة على المؤسسات الصحافية الحكومية». التطوّر الدراماتيكي استمرّ طوال يوم أمس، إذ تقدّم رئيس جريدة «اليوم السابع» خالد صلاح بمحضر رسمي يتّهم فيه قيادات الإخوان، وأولهم عصام العريان، بالتحريض عليه أمام مدينة الإنتاج الإعلامي. وقال صلاح إنّه فوجئ أمس بتظاهرة تضم أشخاصاً ملتحين منعوه من دخول مقر مدينة الإنتاج الإعلامي واعتدوا عليه، فأصيب في رأسه ووجهه، مشيراً إلى أنّ هؤلاء كانوا يعلّقون في رقابهم علامات خاصة بـ«حزب الحرية والعدالة». تلك التظاهرات كانت أيضاً سبباً في رسالة الاستغاثة التي بثّها أول من أمس توفيق عكاشة، مالك قناة «الفراعين»، الذي أكّد في تسجيل عُرض على فضائيته أنّ جماعة الإخوان تحاول اقتحام القناة والاعتداء عليه لمنعه من الظهور على الشاشة. وجاء في رسالته «أنقذوني وأغيثوني، انزلوا واحتشدوا؛ أناشدكم الخروج الآن». إلا أنّ رئيس مدينة الإنتاج الإعلامي حسن حامد نفى إقدام المتظاهرين على اقتحام المدينة، مؤكداً أنّ التظاهرات كانت أمام بوابتها. وسرعان ما أعلن التلفزيون المصري إغلاق قناة «الفراعين» لشهر مع توجيه إنذار إليها بسحب ترخيصها إذا «واصلت تجاوزاتها». وكان عكاشة، أحد وجوه نظام مبارك، طالب الرئيس المصري محمد مرسي بعدم حضور مراسم تشييع شهداء سيناء، لأنّ حياته ستكون مهددة، فإذا بعكاشة يقع تحت التهديد. ويبدو أنّ قضية الحريات الإعلامية في مصر مرشّحة للتفاعل في الأيام المقبلة، لكن لا أحد يستطيع التكهّن بنهايتها.