القاهرة | اليوم، ولمدة قد تطول، يتفرغ الإخوان المسلمون في مصر لتصفية حساباتهم مع إعلام «الفلول»، ذلك المصطلح الذي يرمز إلى مؤيدي النظام السابق. في يومين متتاليين، وجهت الجماعة الساكنة في قصر الرئاسة ضربتين: صودرت أعداد صحيفة «الدستور» التي يملكها رضا إدوارد القريب من النظام البائد الذي تورّط قبل شهرين من الثورة في إطاحة تجربة إبراهيم عيسى مؤسس الجريدة. جاءت المصادرة (راجع المقال أدناه) بعد ساعات على قرار بإغلاق محطة «الفراعين» التي يملكها توفيق عكاشة ويقدم برامجها الأساسية، علماً أنّه أحد أبرز المرتبطين برجل النظام السابق القوي صفوت الشريف، وأحد المحرّضين الأساسيين ضد شباب الثورة.لكن الخطايا المذكورة للرجلين (توفيق عكاشة ورضا إدوارد) لا علاقة لها بإغلاق قناة الأول، ومصادرة صحيفة الثاني. التهم التي وجهت إليهما تتمحور حول «إهانة رئيس الجمهورية»، وقد أضيفت إلى التهمة سيئة الذكر بعض «البهارات» التي درجت على استعمالها أنظمة الاستبداد، فأضيفت تهمة «قلب نظام الحكم» لعكاشة، وتهمة «التحريض على الفتنة الطائفية» لادوارد. وما يؤكد أنّ إجراءات الإخوان لا علاقة لها بموقف الرجلين من الثورة، أنّ الجماعة عيّنت أخيراً ــ من خلال مجلس الشورى ــ قيادات جديدة في الصحافة الحكومية، وهي قيادات لا تكفي كلمة «الفلول» لوصفها. ها هو عبد الناصر سلامة رئيس التحرير الجديد لصحيفة «الأهرام» يكتب في 7 شباط (فبراير) 2011 ــ أي أثناء الثورة ـ متهماً شباب الثورة بتلقي التمويل الأجنبي من أجل التخريب، ويحرّض الحكومة ضد تظاهرات الأقباط في منطقة العمرانية (جنوب القاهرة) قبل أشهر من الثورة. أما جمال عبد الرحيم، العضو الحالي لمجلس إدارة نقابة الصحافيين المصرية، والمعيّن ــ إخوانياً ــ لرئاسة تحرير جريدة «الجمهورية»، فبلغ موقفه السلبي ضد الأقليات الدينية، أنّه بات بنفسه في نقابة الصحافيين كي يمنع مؤتمراً نظمته مجموعة «مصريون ضد التمييز الديني»، وهو معروف بموقفه المعادي لأهل الطائفة البهائية، إلى درجة أنّ ما كتبه ضدّ حقهم في الحصول على حقوق المواطنة، عدّ أحد أبرز الأسباب وراء حالات اعتداء على بيوت البهائيين.
سلامة وعبد الرحيم مجرد نموذجين ـــ لصحيفتين من أهم الصحف الحكومية ــ من بين عشرات النماذج الأخرى من القيادات التي عيّنها الإخوان، ليس في أي اسم منها رائحة الثورة، بل تمت إطاحة من كان ينتمي إلى التيار الثوري، كعبلة الرويني رئيسة تحرير جريدة «أخبار الأدب».
من الملاحظ هنا أنّ مصطلح «أخوَنة الصحافة» الذي يتردد الآن في القاهرة، لا يعني تعيين قيادات إخوانية بدلاً من «الفلول»، بقدر ما يعني اختيار قيادات «تحت السيطرة»، أي أنّها معادية للثورة وسيكون ولاؤها لصاحب الفضل في استمرارها في المشهد الجديد بل ترقيتها إلى مناصب لم تتح لها في «العهد البائد». وقد يكون السبب في هذا السيناريو هو قلة الكوادر الصحافية الإخوانية المؤهلة، وهو عيب اتضح مسبقاً في الأداء المهني الضعيف لجريدة الإخوان «الحرية والعدالة» وفي فضائيتهم «مصر 25». وقد بدا أثر التعيينات الجديدة في الصحافة الحكومية سريعاً جداً، فتمت إزالة «عمود» كان مخصصاً لمراقبة برنامج «المئة يوم» الذي أعلنه الرئيس محمد مرسي. كذلك مُنع مقال عبلة الرويني في جريدة «الأخبار» اليومية بعدما رفضت تغيير عبارة «أخونة الصحافة». وهو نوع من الرقابة يفوق حتى ما كان سائداً في عصر «الحزب الوطني» المنحل الذي كان يسمح ببعض التنفيس الإعلامي على الصفحات الحكومية. وفي المجمل، فإنّه بدلاً من البحث ــ غير المجدي ــ عن كوادر إخوانية تقود الصحافة، تم اختيار القيادات «الفلولية»، على أن تتم السيطرة عليها من خلال جهتين: مجلس الشورى ذي الأغلبية الإخوانية، ووزير الإعلام الإخواني الجديد صلاح عبد المقصود (الأخبار 3/8/2012) الذي تعد أبرز محطاته المهنية رئاسة تحرير مجلة «لواء الإسلام». والوزير إياه لم يعلّق على تصريحات زميله في الحكومة الجديدة أسامة صالح الذي هدد بإغلاق القنوات التي «تبث الشائعات وتهدد أمن المجتمع واستقراره». وقد أتبع تهديده بإغلاق «الفراعين».
والمأزق هنا أنّه من حيث الأداء المهني، فإنّ «الفراعين» يمكن وصفها بسهولة بأنّها «عارٌ على المهنة»، ولا يختلف الوضع كثيراً مع «دستور» رضا إدوارد أو حتى المستوى السيئ للصحف الحكومية الذي انعكس فعلاً على توزيعها. هذا السوء المهني، أتاح تمرير قرارات قمعية من نوع مصادرة صحيفة وإغلاق قناة وتعيين قيادات أشد فلولية من قيادات الحزب الوطني، تم تمرير هذه القرارات في ظل تصفيق كثيرين لن ينتبهوا لذلك إلا يوم يؤكلون كما أُكل الثور الأبيض.