تونس | لم تجد هيئة المهرجان الثقافي في مدينة منزل بورقيبة (شمال تونس) خياراً آخر غير إلغاء عرض مسرحية «١٠٠% حلال» الذي كان مقرراً الثلاثاء في دار الثقافة في المدينة، بعدما احتلّ سلفيون الطرق المؤدية إلى فضاء العرض مطالبين بمنعه. الأصوليون الذين افترشوا «حُصُراً» جلبوها معهم من أحد مساجد المدينة، لم يعجبهم تزامن العرض مع ليلة القدر، معتبرين الأمر «تحدياً صارخاً للإسلام والمقدّسات». هكذا، مُنعت مسرحية الممثل لطفي العبدلي بتواطؤ من الأمن الذي كان حاضراً في المكان، إلا أنه لم يتدخل لإبعاد 300 سلفي عن المسرح. «كأنّ الأمن غير معنيّ بالموضوع»، يعلّق مدير المهرجان فرج حمدي على الحادثة. من جهته، قال لطفي العبدلي لـ«الأخبار» إنّه إمام جامع في مدينة بورقيبة «حرّض سلفيّون على منع المسرحية، بحجّة أنني أتهكّم على الدين الإسلامي»، وهو أمر ينفيه الممثل الذي يعبّر عن أسفه لـ«تدهور حرية التعبير» في تونس. التهمة التي وُجهت للعبدلي، باتت جاهزة لتلصق بأي فنان تونسي ينتقد في عروضه الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وأصهاره الذين شكلوا «مافيا» عاثت في البلد فساداً. العبدلي الذي كان من أوائل المثقفين التونسيين الذين صرخوا في وجه بن علي Dégage، لا يستطيع اليوم الردّ على طِوال اللحى الذين منعوه من ممارسة حقه في الإبداع. إنها من مفارقات تونس اليوم أن يتساوى الديكتاتور بالأصولي! منتج المسرحية محمد بوذينة عبّر عن استغرابه من تصرفات هؤلاء الملتحين الذين «لا علاقة لهم بقيَم ديننا الحنيف»، وأضاف إنّ «ما شاهدتُه يعطي انطباعاً بأننا نعيش في دولة تحكمها شريعة الغاب». أما على الصعيد الرسمي، فقد نددت وزارة الثقافة في بيان أصدرته الأربعاء «بهذه الأعمال لما فيها من تعدٍّ صارخ على حرية التعبير واعتداء على ممتلكات الدولة»، مؤكدة تضامنها مع المبدعين وعملها على تحويل الأمر إلى القضاء. وقد أصدر العديد من الجمعيات الثقافية والحقوقية بيانات تدين منع المسرحية. لكنّ هذه البيانات لم ولن تنفع في ردع السلفيين. في اليوم التالي (الأربعاء)، كرّر سلفيون في مدينة القيروان المشهد الذي حصل في منزل بورقيبة، حين منعوا الفرقة الإيرانية «محراب» من تقديم حفلتها ضمن إطار «المهرجان الدولي للموسيقى الصوفية والروحية» لأنّ أعضاء الفرقة شيعة!
نعم، هكذا تحول بلد القديس أوغسطين وابن خلدون والطاهر الحداد وأبو القاسم الشابي... إلى وطن يحاصر فيه الأصوليون الفنّ بحجة «الإساءة إلى الإسلام»، وبحجج طائفية لم تعهدها البلاد، وسط صمت فاضح من قبل حكومة يُفترض أن تكون ثورية!