في رمضان 2012، توهّم صنّاع الكوميديا السورية أنّ كل ما يفعلونه أمام الكاميرا قد يسقط الجمهور مغشياً عليه من الضحك. هكذا، فشل أيمن رضا للسنة الثانية في الكوميديا. بعدما اعترف بفشل مسلسله «صايعين ضايعين» العام الماضي، أخفق مجدداً في «سيت كاز» الذي عجز المتفرج عن متابعة مشهد واحد منه إلى النهاية من دون أن يصيبه الملل من حالة الارتجال المفتعلة والحوارات الطويلة. طبعاً، دفعت رداءة العمل كاتبه ومخرجه زهير قنوع إلى سبك اعتذار طويل نشره على الفايسبوك. في مقابل ذلك، أفرط سامر المصري في مسلسله الكوميدي «أبو جانتي 2» في الاستسهال والتناول السطحي للأزمة السورية.

وتلك هي حال «صبايا4» لنور الشيشكلي وناجي طعمي، إذ استمرت سلسلة عروض الأزياء المجانية وإبراز مفاتن الممثلات السورية لكن هذه المرة بمشاركة لبنانية وخليجية بعد افتعال سبب لهجرة الصبايا إلى دبي للبحث عن العمل. وربما كان «رومانتيكا» (الصورة) أفضل حالاً من حيث فكرته التي ترتكز على الحب من طرف واحد. لكنّ العمل الذي كتبه شادي دويعر وأخرجه مهند قطيش انتهى من دون رسم ولو ابتسامة بسمة عابرة على شفاه مشاهديه على قلتهم. فيما كان «أيام الدراسة2» لطلال مارديني ومصطفى البرقاوي فرصة لممثلين شباب أدوا أدوارهم بنفس الطريقة والأسلوب من خلال نص إنشائي هزيل، فيما مرت أعمال كوميدية أخرى كـ«أوراق بنفسجية» و«بناتي حياتي» و«أنت هنا» من دون أن ينتبه إليها أحد. وحده «بقعة ضوء9» جاء مختلفاً عن كل ما قدِّم (راجع المقال في مكان آخر من الصفحة).

«مفتاح» القانون



غرقت الدراما السورية هذا الموسم في دوامة البحث عن العرض الجيد وتسلّحت بالدراما الشامية التي أثبتت أنّها عصية على المقاطعة حتى لو تدنى مستواها وواصلت رحلة تشويه أقدم عواصم العالم عبر قصص افتراضية لا أساس لها من الصحة. لكن في مقابل ذلك، هناك من غامر بعمل سوري بحت ينطلق من مجتمع معاصر ليعالج إحدى المشاكل التي لم يسبق أن تطرّقت لها الدراما بالشكل الكافي أو أفردت لها المساحة الوافية. المسلسل هو «المفتاح» الذي كتبه الروائي والسيناريست خالد خليفة عن فكرة لباسم ياخور، وأخرجه هشام شربتجي وأنتجته «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني». سلّط المسلسل الضوء على الثغر الموجودة في القانون السوري. هكذا حكى عن صرامة هذا القانون وبراعته في أماكن كثيرة، وعن مدى التسيب في تطبيقه فعلياً على الأرض. كل ذلك من خلال شخصية مسعود (باسم ياخور) الذي قرر أن يهجر دراسة الحقوق رغم تفوّقه عندما انتبه أنّ البلد يمشي مجافياً القانون. وحين يعمل في تعقيب المعاملات، يصطحب صديقه المحامي فراس (محمد الأحمد) في رحلة من التلاعب بالقانون والاحتيال الذكي حتى يصنعا ثروة ومجداً، ثم يختمان رحلة فسادهما بالدخول إلى قبة مجلس الشعب. إذاً، استعرض «المفتاح» ببراعة أحد الأسباب الرئيسية التي أسهمت في وصول سوريا إلى ما وصلته اليوم، ويفضح جزءاً كبيراً من الفساد القضائي والإداري في المؤسسات الرسمية لكن بطريقة جديدة وبأسلوب ناجح رغم أنّ العمل لم يحظ بفرصة عرض جيدة أو بتسويق يسهم في صناعة جماهيرية تليق بأهميته.

مصادفات هندية



لا يمكن لرشا شربتجي أن تختار الحلول الوسط، بل تقدم الشارع السوري كأنّه مجموعة من العصابات والمتآمرين والفقراء المسحوقين كما هي الحال في «الولادة من الخاصرة 2 ـ ساعات الجمر» الذي كتب نصه سامر رضوان، متخيّلاً أنه يقدم نظرة واقعية لما يجري من أحداث في سوريا من دون أن ينتبه أنّ غالبية أحداث مسلسله تندرج ضمن المصادفات الهندية. لقد قدّم العمل صورة مغلوطة عن المؤسسة الأمنية التي تظهر في المسلسل على قدر من الديموقراطية من دون الإضاءة على حقيقة ما يجري في أقبية التعذيب الخاصة بتلك المؤسسة وكان سبباً في الأزمة السورية. طبعاً، لم ينس العمل التركيز على مشاهد الألم بطريقة مفرطة وترك الجمهور يعاني الصدمة وهو يتابع مشهد قص رجل أحد أبطال الحكاية.
مع ذلك، حقّق المسلسل جماهيرية اصطحبها معه منذ الجزء الأول واستطاع أن يكرسها من خلال شخصية شيخ الوادي أبو نبال التي يؤديها باسم ياخور باحترافية عالية. في مقابل تلك الصورة المشوهة عن المجتمع السوري، قدّمت شربتجي صورة تجميلية عن شريحة تدعي أنها نماذج لنساء سوريات في «بنات العيلة» (كتابة رانيا بيطار) الذي حاول طرح مجموعة من المواضيع الهامة لكن بسطحية. حتى أنّ نسرين طافش التي شاركت في العمل صرّحت لـ«الأخبار» بأنّها نادمة على مشاركتها في هذا المسلسل وغير راضية كلياً عن التجربة وعن النتيجة النهائية التي ظهرت فيها.

«أرواح» خارج التغطية



افترض صنّاع «أرواح عارية» لفادي قوشقجي والليث حجو أنه يمكن إقناع المشاهد بحقيقة حكايتهم بعيداً عما يجري من أحداث عاصفة في سوريا، على اعتبار أنّ قصة المسلسل اجتماعية معاصرة وصادمة تسبك خيوطها قبل اندلاع «الربيع العربي». كأنّ المسلسل صُنع ليقدم في رمضان 2010، لكنّ خطأ فادحاً ارتكبه المخرج نسف هذه الفرضية. في أحد المشاهد، استمعنا لصوت مباراة من كأس الأمم الأوروبية التي جرت قبل أشهر عندما كانت تجري عمليات تصوير المسلسل في أكثر أحياء دمشق هدوءاً. مع ذلك، حقق العمل حضوراً مختلفاً بسبب جرأة المواضيع التي يطرحها ولمحاولته اختراق أحد المحرمات في مجتمعاتنا العربية وهو الجنس، ثم الحديث عن التجارب الجنسية والخيانات الزوجية، والتعمّق في أسبابها. لكن في مقابل ذلك، ظهرت شخصيات العمل كأنّها ناطقة بلسان واحد وبلغة متشابهة، فطالب الثانوي يحكي بلغة الأب المثقف. أما الشخصية المحورية وهي شخصية الحلاق التي يؤديها قصي خولي، فقد أوقعت النجم السوري في مأزق التناقض الواضح عندما يخبر حبيبته ربى (سلافة معمار) مراراً بأنّه ليس مثقفاً ولا يقرأ كثيراً، بينما تفصح طريقة حياته وتفكيره ومستوى لغته عن ثقافة واضحة قد تمثّل عقلية كاتب السيناريو. بدا واضحاً رفض خولي صناعة شكل خارجي منطقي ينسجم مع شخصية الحلاق الذي يبالغ عادةً في إظهار أناقته في الحياة، في حين احتفظ خولي بلحية غير مشذبة. إضافة إلى ذلك، وقع العمل في مشاكل العرض الرمضاني المتمثل في الوصول بأي شكل إلى 30 حلقة. لذا مرت نصف الحلقات دون أن يلمح المشاهد ولو حدثاً واحداً مهماً.

نقلة نوعية... ولكن



لا شك في أنّ «عمر» كان نقلة نوعية في الدراما التاريخية. مع قرار محطتي mbc و«قطر» بإنجاز مسلسل يحكي سيرة ثاني الخلفاء الراشدين وتجسيد شخصيات الأئمة والصحابة التي لم يسبق للدراما العربية تجسيدها، بات الجمهور تواقاً إلى النتيجة. إلا أنّها لم تكن مرضية بالشكل الكافي بدءاً بمرور اسم المرجعية الدينية للعمل على شارته، كأنّ صنّاعه يريدون فرض طقس جديد من الرقابة الدينية على الدراما، مروراً بدبلجة أصوات بعض الممثلين بطريقة منفّرة وصولاً إلى بعض المعارك المبالغ بها، ما جعل المشاهد يتخيّل أنه يتابع معارك من أفلام كرتونية. لكنّ المسلسل كان لافتاً في الحلقة الأخيرة. إذ خصّصها المخرج حاتم علي لسرد الطريقة التي رحل فيها كبار قادة المسلمين وصولاً إلى عمر الفاروق. ركّزت الحلقة على مقتله غدراً بطعنة من المجوسي كأن المسلسل كله صنع ليوصل هذه الرسالة. ورغم النص الذي كتبه وليد سيف بطريقة يطرح فيها الشخصيات كبشر حقيقيين، إلا أنّه وقع في مطب تقديس شخصيات بعض الصحابة فيما تحول جزء من النص التاريخي إلى سرد إخباري ممل.



تحية | نجاح أكيد



استثمر «بقعة ضوء 9» الأزمة السورية بطريقة إيجابية رفع من خلالها سقف الرقابة وقدم عملاً نجح خلاله المخرج عامر فهد في ملامسة الوجع السوري ومحاكاة الواقع الجديد بعد الزلزال الذي عصف بالبلد. قدّم المسلسل لوحات كوميدية حملت أفكاراً جريئة وجديدة وأزاحت الستار عن دفعة من المواهب التمثيلية الشابة. هكذا، حظي العمل بالمشاهدة رغم حرب المقاطعة التي تعرضت لها «شركة سوريا الدولية» المنتجة للمسلسل والمملوكة للنائب السوري محمد حمشو. ظلّ «بقعة ضوء» من أكثر الأعمال السورية مشاهدةً هذا الموسم، وربما العمل الوحيد الذي حظي بإجماع نقدي وجماهيري بسبب تماسه مع هموم الشارع، إضافة إلى إشراكه أهم النجوم الذين صنعوا شهرته كباسم ياخور، وعبد المنعم عمايري، وأمل عرفة. ورغم هبوط مستوى بعض اللوحات، إلا أنّ النتيجة كانت عودة هذا المسلسل إلى عصره الذهبي وتقديم فسحة إضافية لمزيد من النقد الساخر.