عندما قرّر «مهرجان السينما اللبنانية» منح «كارت بلانش» لغسان سلهب، كان السياق يدور في فلك «الربيع العربي»، لكنّ السينمائي اللبناني لم يرد الحديث عن «ربيع تحوّل صيفاً فخريفاً، فشتاءً»، وخصوصاً أنّنا ما زلنا نعيشه. موقف لطالما اعتمده سلهب منذ أن وجد أنّ صورة الواقع بعد حرب تموز ٢٠٠٦ أكبر من أن تتسع في أي صورة، فامتنع عن التصوير. اليوم، يرى صاحب «أطلال» أنه إذا كان لا بد من التكلم عن الثورات، فإنه تجب محاولة فتح نقاش موازٍ للواقع الحالي. هكذا، اختار موضوعاً لبرمجته حركة «الفهود السود» لأنّهم مثلما جمعهم جان جينيه بالفدائيين الفلسطينيين، فإنّ «حركتهم ليست بعيدةً عنّا».
في ١٩٨٦، شدت حركة «الفهود السود» مخرجة الموجة الجديدة أنييس فاردا. غادرت السينمائية الفرنسية باريس ولم تشهد انتفاضة مايو ٦٨، بل فضّلت أن تكون في قلب الحدث مع الثائرين ضد العنصرية، وفي لحظة مفصلية من تاريخ الرجل الأسود الأميركي. في أوكلاند في كاليفورنيا، عاشت مع «الفهود السود». استعارت كاميرا ١٦ ملم، وقصدت التظاهرات وقابلت قياديي الحركة، فأنجزت شريطها الوثائقي «الفهود السود» (٢٨ د ـ 1968) الذي اختاره سلهب ضمن برمجته. بعد أكثر من ٤٠ عاماً، وجد غوران هوغو أولسون أفلام ١٦ملم في أرشيف التلفزيون السويدي تتناول «الفهود السود». بعكس فاردا، لم يعايش المخرج السويدي تلك الحركة، لكنّ الأفلام المكدسة التي صوّرها مراسلو التلفزيون أثارت اهتمامه. وفي ٢٠١١، أنتج وثائقي «قوّة السود» (ساعة و ٣٠ د) الذي استند إلى مواد الأرشيف تلك، ليكون الفيلم الثاني في برمجة سلهب.
«سينمائياً قد لا يكونان من أفضل الأفلام التي تناولت الثورات، لكن سياقهما هو الأهم» يقول سلهب. الزمن الفاصل بين الفيلمين، وموقع المخرج من الحدث، أو المصيبة والصورة التي يجري إنتاجها وتوقيتها، كلّها أسئلة شغلت سلهب، الذي يتشاركها غداً مع الجمهور.



«كارت بلانش» غسان سلهب: 10:00 مساء غد ــ يفتتح الحدث بعرض فيلم خاص بـ «حركة مناهضة العنصرية في لبنان»