في نشرتهما الإخبارية أمس الأربعاء، شنّت كل من «الجديد» و LBCI هجوماً على «المجلس الوطني للإعلام» ووزارة الإعلام والدولة اللبنانية على خلفية الاجتماع الذي يقام غداً في مكتب وزير الإعلام لتقويم أداء القنوات التلفزيونية في ملف المخطوفين اللبنانيين الذي بلغ ذروته الأسبوع الماضي، مع خطف آل المقداد مواطنين سوريين (الأخبار 17/8/2012). رفضت «الجديد» تقديم اعتذار، مشيرة إلى أنّها لا تجد نفسها معنية بما وصف بـ«الأخطاء المهنية» التي ارتُكبت خلال التعاطي الإعلامي مع قضية المخطوفين، فيما تساءلت نشرة LBCI: «هل يتّجه لبنان إلى تقييد الإعلام في لحظة سقوط الدكتاتوريات في المنطقة؟»... فهل نحن حقاً أمام محاولة لإسكات الإعلام؟ الأكيد أنّ القناتين اللتين تصدرتا المشهد الأسبوع الماضي، أعلنتا «العصيان» واتخذتا موقف التصعيد تجاه ما قد يصدر عن الاجتماع الذي يقيمه «المجلس الوطني للإعلام» غداً مع رؤساء مجالس إدارات المؤسسات المرئية والمسموعة لمناقشة «الواقع والأداء الإعلامي». وقد طلب أول من أمس من هذه المؤسسات أشرطة وتسجيلات من المقاربة الإعلامية لموضوع المخطوفين للتدقيق فيها وإصدار توصيات ستقدَّم إلى وزير الإعلام وليد الداعوق، على أن يرفعها إلى مجلس الوزراء.
ورغم السهام التي أطلقتها المحطتان في نشرتهما أمس، فعلى الأرجح أنّ جلسة الغد لن تحمل جديداً بالنسبة إلى ما سرّب من توصيات إلى وسائل الإعلام، أبرزها تقديم «اعتذار من المؤسسات التي ارتكبت الأخطاء» أو وقف البثّ لساعة... (الأخبار 22/8/2012). لكنّ المفاجأة أنّه في اتصال مع «الأخبار»، نفى رئيس «المجلس الوطني للإعلام» عبد الهادي محفوظ كل هذه التسريبات، رغم أنّه أطلّ أمس ضمن ريبورتاج «الجديد» ليؤكدها. على أي حال، فالمجلس الذي لا يملك صلاحيات تخوّله اتخاذ أي اجراء، تنحصر مهماته فقط في الشق الاستشاري، على أن يكون وزير الإعلام هو المفوض الأساسي على طاولة مجلس الوزراء... متى تبنّى الأخير توصيات «المجلس الوطني للإعلام»، أصبح ذلك بمثابة قرار نافذ. لكنّ «اللافت» هذه المرة أنّ المقترحات التي سيقدّمها المجلس الوطني قد تجد طريقها إلى التنفيذ، مع توافر الغطاء السياسي من أعلى هرم في الدولة، وصولاً الى المجلس الوزاري. هذا الاجماع عدّه محفوظ خطوة متقدمة تحصل للمرة الأولى وجاءت بعد شعور الدولة بتراجعها لمصلحة «الشوارع والطوائف والعشائر». المهم اليوم بحسب عبد الهادي محفوظ «هو تطبيق القوانين مع الحفاظ على الحريات الإعلامية»، وهو لا يرى ضيراً في أن تستعيد الدولة هيبتها عبر بوابة الإعلام وفق ما يقول لـ«الأخبار»!
بنبرة ساخرة، يعلّق رئيس مجلس إدارة «المؤسسة اللبنانية للإرسال» بيار الضاهر على تحميل الإعلام المسؤولية في تهديد السلم الأهلي وإثارة الغرائز واللعب على وتر الإثارة. يقول: «فليأخذوا الكاميرات التي صوّرت الواقع ويحاسبوها». ويستدرك: «لكن قولوا لي أيّ جهاز أمني سيتولى المحاسبة؟». وانتقد الضاهر وضع الجهاز الإعلامي اليوم على المشرحة فيما مرّ أكثر من ثلاثة أشهر على اختطاف اللبنانيين ولم تحرّك الدولة ساكناً. يقول: «يروحوا يعملوا شغلهم الأجهزة الأمنية ويحكوا مع بعضهم قبل أن يحاسبونا». وفي موضوع التغطية الأخيرة لـ LBCI لهذه القضية، يلفت الضاهر إلى أنّ المؤسسة تقوم اليوم بمراجعة ذاتية، لكنّه يعزو الأخطاء المهنية، وخصوصاً سقطة محطته التي تمثّلت في إذاعة الخبر الخاطئ عن مقتل اللبنانيين الـ11، إلى المصادر الرسمية التي أشاعت هذا التضارب في المعلومات «لم نعلم مع أي جهاز نتعاطى أو مع أي عشيرة».
التسريبات الصحافية للمقترحات أو التوصيات التي يُفترض أن تصدر عن اجتماع «المجلس الوطني للإعلام» وتحويلها إلى مجلس الوزراء وإعطاء رئيس الجمهورية غطاءً سياسياً له... كل هذه العناصر المتضافرة استغربته مديرة الأخبار والبرامج السياسية في «الجديد». انتقدت مريم البسام حصول هذا الأمر اليوم، مستعرضة ما حدث في تغطية المحطة لقضية المخطوفين الأسبوع الماضي وظهور ملثمي آل المقداد على الشاشة. رأت البسام أنّ هذا المشهد السيئ يمسّ الدولة قبل أي شيء آخر، وأنّه لم يكن بمقدور الوسائل الإعلامية دفن رأسها في الرمال وعدم نقل كل هذا الاستعراض الذي قاموا به تلفزيونياً. ها هي البسّام تصوّب البوصلة نحو مكان آخر: «لماذا لم تقم الأجهزة الأمنية بواجبها واعتقال هؤلاء؟». وحين نسألها عن كيفية مقاربة المحطة للقضية، والمصطلحات التي استُخدمت، والإثارة التي وظِّفت والاستماتة التي شاهدناها لتحقيق السبق الصحافي على حساب الكثير من المبادئ الأخلاقية والانسانية والمهنية، أجابت البسام بأنّ المحطة انتقدت الخاطفين وأبو إبراهيم، وخصوصاً في مقدمات النشرة الإخبارية، مشيرة إلى أنّ القناة أخذت في الاعتبار أيضاً سلامة مراسليها في تركيا الذي يعيشون «تحت الضغط. في النهاية». وعن إمكانية ضبط النقل المباشر لما يسببه من أخطاء وهفوات في الكثير من الأحيان، أكّدت البسام أنّ لا إمكانية لقوننة التغطية المباشرة، بل يمكن العمل لاحقاً على توليف الأحداث والتصريحات في النشرات. صحيح أنّ المقاربة الإعلامية لموضوع المخطوفين الـ 11 بما فيها «استعراض» آل المقداد، شكّلت سقطة مدوية للإعلام اللبناني، إلا أنّ الجهات المعنية لا تعترف حتى الآن بهذا الخطأ، مكتفيةً بالإشارة إلى أنّ المقدمات الإخبارية صوّبت البوصلة ومحت «الآثام» الكثيرة التي ارتُكبت على الهواء... لكن كيف الوصول إلى مبادئ ومعايير توجّه الممارسة الإعلامية من دون أن يعني ذلك فرض رقابة على الإعلام؟
من الناحية الأكاديمية، يلفت المتخصّص في الصورة الإعلامية في الجامعة اللبنانية عباس مزنر الى أنّ الإشكالية الكبرى التي تواجه الإعلام في الغرب أو في لبنان تكمن في النقل المباشر، لما يتركه من آثار سلبية و«تسخين للوقائع والأحداث»، فأي حدث عادي يندرج ضمن سياق خبري وفي مدة زمنية محددة، قد يتحول بفضل هذه التغطية المباشرة إلى حدث هام يُعطى أكثر من حجمه من خلال فرض مساحة زمنية أكبر له مع غياب تام لعملية المونتاج. الخطورة تكمن برأي مزنر في أنّ النقل المباشر يأتي بقرار من أعلى سلطة في المؤسسة الإعلامية توعز بقطع البرمجة المعتادة بسبب حدث مهم. من خلال هذه العملية، يجري استغلال ما سماه «خرائط المعنى»، أي كلّ ميول الجمهور الذي ينحو غالباً الى مختلف أشكال التطرف، وأبرزها الإثارة الغرائزية. ويدخل على هذا الخط الإعلام والسياسة لتزكية هذه الميول، وخصوصاً تلك المتعلقة بالتحريض الطائفي والمذهبي. الجمهور في النهاية هو «ضحية» الفلتان الإعلامي والانقسام السياسي، وخصوصاً أنّ «القيادات والزعامات لها مشاريعها في الداخل والخارج». ويقارن مزنر بين الإعلام اللبناني والكندي. الأخير يخضع لقوانين ويشرك أهل الإعلام والسلطات المختصة في تقويم البرامج وما تحتويه، وخصوصاً لناحية المفردات والمصطلحات المستخدمة، بينما يغرق الإعلام اللبناني «في مستنقع من غياب الرقابة والتشريعات». هل المطلوب إذاً فرض رقابة على الوسائل الإعلامية في «زمن سقوط الديكتاتوريات» كما جاء في نشرة أخبار LBCI أمس؟ كلا، المطلوب بحسب مزنّر هو وضع تشريعات «تضبط هذا الفلتان الإعلامي، وخصوصاً مع فورة القنوات في المشهد الفضائي اللبناني». وهنا يذكّرنا بالحرب الأهلية اللبنانية حين راحت «الإذاعات تسهم في تأجيج الصراع بين الأطراف المتنازعة... فكيف لو كان هذا التأجيج بالصوت والصورة؟».



أخطأنا... ولكن

من خلال تغطيتها لقضية المخطوفين، وتحديداً لعمليات الخطف التي مارسها آل المقداد، تشير مراسلة «الجديد» نانسي السبع لـ«الأخبار» إلى أنّه كان يجب إدانة عملية الخطف بدلاً من انتقاد التغطية الإعلامية. على رغم الشائعات بعمليات خطف أخرى ودعوة الإعلام إلى مواكبتها، فضلت السبع التأكد من وجود المخوطفين عبر جوازات سفرهم أو رؤيتهم بالعين المجردة قبل التحدث عنهم في رسائلها على الهواء، وخصوصاً الرهينة التركي الذي أصرّ على مقابلتها شخصياً. ورفضت تسليم هذا الأمر لأحد الخاطفين كما كان يحصل في الأشرطة التي كانت تبث سابقاً، مع اشتراطها غياب أي مشهد مسلح، وحرصها في أسئلتها على عدم توريط المخطوف بمواقف قد تضر به. وعلّقت المراسلة الشابة على موضوع تحميل الإعلام مسؤولية تأجيج الصراعات، بالقول إنّ السلطة الرابعة أصبحت اليوم سلطة أولى وسط الفراغ الحاصل في الدولة. ولفتت الى أنّ أغلب الشائعات انطلقت من المصادر الرسمية، وتحديداً من وزارة الخارجية، في إشارة إلى الخطأ الأكبر الذي تمثّل في إذاعة مقتل المخطوفين اللبنانيين في أعزاز. وتذكّرت في هذا السياق الخبر عينه الآتي من الخاطفين أنفسهم عندما كانت في تركيا، لكنّها رفضت وقتها الإفصاح عنه، تاركة تأكيد صحة هذا الخبر للمصادر الطبية.
وعن الاحتياطات التي يمكن أن يتوخاها المذيع عند وجوده تحت ضغط الهواء المباشر، لفتت الى ضرورة عدم تبني أي خبر يأتي من مصدر واحد، بل العمل دوماً على استسقاء المعلومة من مصادر متعددة. وختمت بالقول: «نحن أخطأنا ومارسنا نقداً ذاتياً أمام الرأي العام. والأهم أن لا نكمل في هذا السياق. الذي يعمل كثيراً، يخطئ كثيراً». برأيها، البلد كله يغلي، والإعلام لا يسهم في تأجيج هذه النيران.
على المقلب الآخر، تولت مراسلة LBCI هدى شديد تغطية عملية الخطف التي قام بها آل المقداد. وحين حاولت «الأخبار» الاتصال بها، أجّلت الحديث مراراً قبل أن تعتذر لنا بسبب «ضيق الوقت».