أمس، فتح تلفزيون «المستقبل» باب الماضي، مقلّباً صفحات من تاريخ لبنان، وتحديداً زمن الانتداب الفرنسي، ليس من أجل التوثيق لتلك المرحلة ولا للإضاءة على مواجهات أهل الحكم قبل الاستقلال، بل لرصد الواقع الاجتماعي والسياسي من خلال قصص حب وخيانة ومؤامرات بعض أبناء البلد واستقوائهم بالسلطات الفرنسيّة طمعاً بالثروة والسلطة. إنّه مسلسل «جنى العمر» للمخرجة ليليان البستاني (إنتاج «أفكار بروداكشن») وبطولة يوسف الخال، إلسا زغيب، وجوي كرم بطلة فيلم «تنورة ماكسي» في تجربتها الدراميّة الثانية بعد «طريق الشوك» للمخرج ميلاد الهاشم (الأربعاء والخميس 21:30 على تلفزيون لبنان)، وعايدة صبرا المقلّة في أعمالها التلفزيونيّة، ويوسف حدّاد، وسامي أبو حمدان، وطوني عاد، ورنده كعدي، وبيار جماجيان، ومارسيل مارينا، وبولين حداد، ووليد العلايلي، ومايا سبعلي، وأسعد حطاب، وعبدو شاهين، ورانيا مروة...
من خلال هذا العمل، تخوض ماغي بقاعي الناشطة في متابعة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة أولى تجاربها في الكتابة الدراميّة. تثني المخرجة ليليان البستاني على «النص المحترف الذي فاجأني وفاجأ الممثلين بمستواه». أمضت البستاني حوالى أربعة أشهر في تصوير العمل منذ نيسان (إبريل) الماضي، بين عدد من المناطق الجبليّة التي تعبّر عن أجواء الأربعينيات، ومنها فاريا حيث تعرّض الموقع في الأيام الأولى للتصوير لتخريب من مجهولين، ثم دوما، وبكفيا، ودير القمر. تصوّر البستاني هنا حكايتها الثانية عن الانتداب الفرنسي بعد المسلسل الناجح «مالح يا بحر» للكاتب مروان العبد. واليوم، أصبحت الحلقات جاهزة للعرض في ثالث تعاون مع «المستقبل» (كل خميس وجمعة)، بعد «بدل عن ضايع» و«هي وهي». نفّذت العمل بتقنية HD، بما يتيح عرضه على الفضائيات العربيّة التي تتبع هذا النظام وأولاها mbc.
بعد دراسة مع شريكيها في «أفكار» مطانيوس أبي حاتم (صاحب «رؤى للإنتاج»)، وميلاد أبو موسى، ارتضت البستاني أن تكرّر التجربة مع الشاشة الزرقاء قبل أن تحصل على مستحقاتها المالية منها عن مسلسل «هي وهي»، خصوصاً أنّها تحمّست للنص الجديد. تقول: «تسلّمنا الحلقات منذ أكثر من سنة. منذ ذلك الحين، نتواصل باستمرار مع الكاتبة لإنضاج بعض الأفكار وإغناء الحبكة».
جهزت للعمل ديكورات مناسبة ستعيد المشاهد إلى الأربعينيات، وتنطلق الأحداث أواخر عام 1940، وتنتهي على مشارف عام 1942، أي قبل المواجهات والأحداث التي تؤدي إلى الاستقلال عام 1943. توضح البستاني أنّ «الكاتبة وضعت السيناريو في هذه المرحلة، ولم نشأ أن نطلب منها أن تستمر الأحداث حتى الاستقلال كي لا تتقاطع مع حكاية «مالح يا بحر»». وتكشف أنّ «القصة اجتماعيّة لكننا نتابع الأحداث السياسية في الخلفيّة من خلال حوارات بين الشخصيات أو سماع الأخبار». ولإضفاء صدقية على العمل، قرّرت البستاني أن تصوّر مشهد مواجهة عسكرية بين قوات فيشي والجنرال ديغول.
في بداية المسلسل، نرى شاباً يدعى سليم هارباً ويصل إلى مرفأ بيروت، ونكتشف لاحقاً أنه فتاة تنكّر في هيئة صبي (إلسا زغيب)، والتنكر ليس منفّذاً بطريقة محترفة. سنفهم من الأحداث أنّها كانت في قرية الرميلة، واعتدى الفرنسيون على بيت أهلها، فهربت واختفى شقيقها، كما وقعت مواجهة بينها وبين ضابط فرنسي، فطعنته وهربت، وسيلاحقها ضابط آخر (أسعد حطاب) بتكليف من الحكومة الفرنسية. في هذه الأثناء، ستتعرف إلى مجتمع آخر. ستصادف سلمى، التي رأيناها بداية بهيئة سليم، زهير (سامي أبو حمدان)، وهو رجل متعجرف وحاد الطباع، ومقرّب من الفرنسيين، ما يجعل الناس يخافونه ويتجنبونه. كذلك تلتقي بالدكتور باتريك (يوسف الخال)، وهو طبيب في الجندية الفرنسية يرافقها إلى بيت خالها (بيار جماجيان)، حيث يعيش مع زوجته ليلى (رنده كعدي) وابنته زينة (جوي كرم). وهذه الأخيرة فتاة جميلة تحلم بأن تتزوج من رجل صاحب ثروة ونفوذ، وستجبر الدكتور باتريك على الزواج بها. في ظل الواقع الجديد، تجد سلمى نفسها مجبرة على العمل لتأمين مصاريفها، فتعمل في التنظيفات في المستشفى حيث يعمل الدكتور باتريك، وتشعر بانجذاب نحوه، لكنّها تمنع نفسها من التفكير فيه لاعتقادها بأنّه فرنسي، وتكتشف في وقت متأخر بأنه ينحدر من أب لبناني وأم فرنسيّة. وتتواصل الأحداث، ويقرّر الدكتور باتريك اعتزال الطب بسبب عقدة ترافقه عند دخول جندي فرنسي مصاب ويتوفى تحت العمليّة. وعندما يصاب هو لاحقاً بشظية في قدمه، يخاف أن يلقى مصيراً مشابهاً لمصير الجندي الفرنسي. أما المواجهات الكبرى، فتدور بين باتريك وزينة وسلمى وسامية (عايدة صبرا). تشرح البستاني أنّ «سامية إنسانة متسلطة يخافها كل من في القصر، ونعرف أنها تتاجر بالأسلحة ولا تتوانى عن فعل أي شيء لتحقيق مصالحها ومصالح ابنها الذي ستكشف لنا الأحداث لاحقاً من هو».
منذ انطلاقة مشوارها الإخراجي، تحرص البستاني على الظهور في غالبية أعمالها ليس في أدوار أساسيّة بل ككومبارس. «الأمر ليس من اختراعي. ألفرد هيتشكوك كان يظهر في أفلامه». تقول قبل أن تستدرك: «لا أقارن نفسي بالمخرج العالمي، لكنني أحاول القول إنّني لست أول من اتّبع هذا الأمر».



«جنى العمر» كل خميس وجمعة 20:30 على «المستقبل»