تونس | منذ أيام، أصدرت دائرة الاتهام في محكمة تونس العاصمة بطاقة إيداع في السجن بحقّ سامي الفهري صاحب شركة «كاكتوس» وقناة «التونسية» الخاصة على خلفية القضية التي رفعتها نقابات مؤسسة التلفزة التونسية ضد مجموعة من المديرين العامين و«كاكتوس» بتهمة الاستيلاء على المال العام. قرار الإيداع في السجن كان مفاجئاً، ما يؤكد وجود خلفية سياسية وفق ما يقول أغلب المهتمين في شؤون الإعلام والحريات في تونس. وكان الفهري قد أكّد صباح السبت أنّه يتعرّض منذ فترة طويلة لضغوط من المستشار السياسي لدى رئيس الحكومة لطفي زيتون. وكان الأخير قد طالب الفهري على أثير إذاعة «إكسبرس» بإيقاف برنامج «اللوجيك السياسي» الذي تعرضه قناة «التونسية». واستجاب الفهري لذلك قبل نهاية البرنامج بأربع حلقات كاملة. كذلك طالبه زيتون بالتصريح لقناة «الجزيرة» عن سعادته بإيقاف البرنامج بعدما بثت الخبر. إلا أنّه رفض ذلك لأنّه لا يستطيع أن يساند قمع الحريات على حد قوله.
وقالت محامية الفهري إنّه لا يعقل أن يودع الفهري في التهمة السجن بهذه السرعة، فيما يتمتع الفاعلون الرئيسيون المتهمون من مديري التلفزة السابقين بالحرية. علماً بأنّ الفهري ممنوع من السفر منذ ربيع ٢٠١١ بعدما جُمّدت كل حساباته المصرفية وممتلكاته، بما فيها شركة «كاكتوس» وقناة «التونسية» . كل هذه المعطيات تؤكد وجود خلفية سياسية لإيداعه السجن بعدما قدمت «التونسية» برنامجي «اللوجيك السياسي» و«لباس» طوال رمضان وتميزا بنقد لاذع للحكومة وللأحزاب الثلاثة الحاكمة والرؤساء الثلاثة. وقد حققت «التونسية» أعلى نسبة مشاهدة في شهر الصوم. ويرى مراقبون أنّ سجن الفهري يمثّل حلقة من حلقات التضييق على الإعلام في تونس. صباح السبت الماضي أيضاً، استمع قاضي التحقيق إلى الصحافي عادل الحاجي بعدما رفع وزير التعليم العالي القيادي في «النهضة» علي بن سالم قضية ضده بسبب مقال في جريدة «الطريق الجديد» ذات النفس اليساري. وكانت «النقابة الوطنية للصحافيين» قد أعلنت في اجتماعها ظهر الجمعة تنفيذ إضراب عام قبل منتصف شهر أيلول (سبتمبر) المقبل إن لم ترفع الحكومة يدها عن الإعلام، وأدانت التضييق المتفاقم على الحريات. وجاء تحرك النقابة بعد فرض الحكومة مديرين عامين مقربين من النظام السابق للتلفزة الوطنية و«دار الصباح» (الأخبار 21/8/2012).
المناخ العام في تونس يتجه اليوم نحو مزيد من التضييق وازدياد اعتداءات السلفيين على المبدعين. خلال الأسبوع الماضي، اعتدت مجموعة سلفية على الشاعر محمد الصغير أولاد أحمد بسبب ظهوره على قناة «التونسية» وإدانته سلوك حركة «النهضة». كذلك اعتدت مجموعة سلفية على عضو «نقابة كتاب تونس» الشاعر محمد الهادي الوسلاتي أيضاً. وأدانت الجمعيات الثقافية، كاتحاد الممثلين المحترفين والاتحاد العام للفنانين التونسيين الاعتداءات المتواصلة على المبدعين وصمت الحكومة المريب على ذلك، ما يشجع هذه المجموعات الخارجة عن القانون على مواصلة نهجها الإجرامي. وكانت السلطة قد أفرجت عن المتورّطين في الاعتداء على «مهرجان الأقصى» في بنزرت، رغم الإصابات البالغة التي تعرض لها الناشطون الحقوقيون من المنظمين للمهرجان الذي حضره أيضاً عميد الأسرى سمير القنطار.
كل هذه المعطيات تؤكد أنّ ما حلم به التونسيون بعد «ثورة ١٤يناير» بدأ يتراجع منذ صعود الترويكا. أحزاب المعارضة تتهم الترويكا، وخصوصاً «النهضة» بإعادة إنتاج النظام الديكتاتوري الذي أسقطه التونسيون، لكن هذه المرة بلباس ديني.