القاهرة | من أجل السيطرة على الفضائيات، كان الرئيس المخلوع حسني مبارك يستخدم جهاز أمن الدولة. الآن، يبدو أنّ جماعة الإخوان تفضّل تحقيق الهدف نفسه، لكن من خلال وزارة الاستثمار التي اقترحت مشروع هيئة جديدة لمراقبة الإعلام. المشروع قديم نسبياً، كان وراءه بالأساس أنس الفقي، آخر وزير إعلام في عهد مبارك. كان النظام الساقط في سنواته الأخيرة قد بدأ يفقد أعصابه أمام ضغط الفضائيات التي لم تعد تكفي «مكالمات» ضباط أمن الدولة للتحكم بما تعرضه. هكذا، دعت مصر بالاشتراك مع السعودية إلى «ميثاق شرف إعلامي»، وقد صدر فعلاً عن جامعة الدول العربية في 2009.
وكان، ولا يزال مليئاً بعبارات تهدد وتحذر من المساس بـ«الرموز» و«الثوابت» و«القيم» و«التقاليد». لكن الميثاق لم يغيّر الواقع كثيراً، وخصوصاً إزاء الفضائيات الخاصة المتعددة في مصر التي تحايلت على منعها ـــ آنذاك ـــ من تقديم نشرات إخبارية بأن زادت التقارير الإخبارية التي تفتتح بها برامج الـ«توك شو». وهنا أراد الفقي أن ينشئ «جهاز تقييم ومراقبة الإعلام» الذي أراد لنفوذه أن يمتد حتى إلى الفضاء الإلكتروني. كان ذلك كله قبل ثورات الربيع العربي التي أطاحت هذه «الطموحات»، قبل أن يوقظ وزير الاستثمار المصري الجديد أسامة صالح مشروع الفقي؛ إذ أعلن إنشاء جهاز سيتبع وزارة الإعلام ويهدف إلى «تقييم العمل الإعلامي للقنوات الفضائية للحد من المخالفات»، وذلك «وفقاً لميثاق الشرف الإعلامي»، مؤكداً أنّه يقصد الميثاق التابع للجامعة العربية.
علاقة وزير الاستثمار بالإعلام تنبع من أن الفضائيات المصرية هي في واقع الأمر شركات ينطبق عليها ما ينطبق على مشاريع الاستثمار الخاص. كذلك تخضع مدينة الإنتاج الإعلامي التي تحتضن معظم الاستوديوات الفضائية، للدولة اقتصادياً وقانونياً، وإن كانت تتمتع بمجلس إدارة مستقل.
رغم هذه العلاقة بين التلفزيون ووزارة الاستثمار، إلا أنّ الأخيرة لم تظهر قبلاً في الصورة خلال صدام النظام السابق مع الفضائيات. حتى في الأشهر الأخيرة من عهد مبارك، كان الصدام يجري عبر إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي كما كانت الحال مع إيقاف برنامج عمرو أديب «القاهرة اليوم» على شاشة «أوربت»، أو من خلال وزارة الإعلام والمصنفات الفنية كما حدث مع «الجزيرة مباشر مصر» الموقوفة ـــ شكلياً ـــ حتى الآن.
أما بعد تعيين الرئيس محمد مرسي لحكومته برئاسة هشام قنديل، فقد ظهرت وزارة الاستثمار في الصورة من خلال توجيه الإنذارات الشفوية إلى «الفضائيات التي تنشر الشائعات وتهز استقرار المجتمع». ثم نفذت وزارة الاستثمار تهديدها من خلال إيقاف قناة «الفراعين» 6 أسابيع بعد توجيه سبع إنذارات إلى المحطة تطالبها بالتزام «المعايير الإعلامية السليمة». وقد تبع ذلك إحالة مالكها توفيق عكاشة على محكمة الجنايات بتهمة «التحريض على قتل رئيس الدولة».
ربما كان تفسير نشاط وزارة الاستثمار بدلاً من وزارة الإعلام يتمثّل في أنّ الأخيرة يرأسها صحافي إخواني هو صلاح عبد المقصود الذي اعتصم بالصمت دوماً على اعتبار ما يجري «إجراءات إدارية»، ما يسمح لجماعة الإخوان بأن لا تظهر كأنّها تتدخل من خلال رجلها الجالس على مقعد «الإعلام».
ومهما كان مسار الأحداث أو نيات الجماعة، فإن أهم درس من سقوط مبارك هو أنّ تقييد الإعلام لا ينفع ولا ينقذ أحداً ولا يمنع معلومة، وخصوصاً أنّ الجسم السياسي والاقتصادي الكبير للإعلام في مصر، سيبقى أكبر من محاولات التضييق عليه.