في كتابه «البكاء المفرح» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر)، يدوّن محمد السمهوري يوميات وشذرات لا تنتمي إلى جنس أدبي محدد. يراهن الكاتب والرسام الفلسطيني على الدفقة المرتجلة للكتابة، بينما مزاج اليوميات يجعل هذه الكتابة متسرعة، وغير آبهة حتى بالأخطاء النحوية والتعبيرات الركيكة التي لم تُصحح قبل دفعها إلى النشر. لعل ذلك جزء من حضور السمهوري الذي يفضل الإقامة في الهوامش، وتأمل التفاصيل الهامشية غير المنتبه لها، ومطاردة سِيَر الهامشيين الذين يشبهونه.
تدور اليوميات بين بيروت وعمّان والشارقة والقاهرة وصنعاء وسنغافورة ونابولي وزيوريخ... ودارفور. الأمكنة تحضر مع مذاقاتها وروائحها وشخصياتها. في بيروت، ستحضر حانات ومقاهي شارع الحمراء. سهرة عند «أبو إيلي» حيث يفوح المكان بذكريات الحرب الأهلية وصور زعماء الماركسية. كأس سريعة عند «هاروت»، الذي يشبهه المؤلف بـ «غورباتشوف بدون وحمة حمراء على الجبين». قراءات شعرية في «دينمو»، بينما يُنفق النهار مع فناجين القهوة في «كوستا» و«ليناز» و«الروشة». في عمان، سيرة صداقات وأمكنة مماثلة. تنبعث من بين السطور ذكريات الطفولة في المخيم، ورحيل الوالدة التي تعلم منها الرسم، بينما تحضر أسماء شعراء وكتاب مثل: زياد عناني، موسى حوامدة، زهير أبو شايب، لميس أندوني، جمانة مصطفى. الأمر نفسه يتكرر في المدن والأمكنة الأخرى، حيث عمل المؤلف في الصحافة الإماراتية عشر سنوات، ونشر أثناءها روايتيه «مغادرة مؤقتة» و«مدينة لا تخرج من البيت»، إلى جانب ثلاث مجموعات قصصية. المزاج قصصي والروائي الحاضر في نصوص الكتاب قادم من تجاربه السردية هذه. تتوالى التدوينات لتصل إلى الفترة الأخيرة التي شهدت ثورات ما سُمي «الربيع العربي». نقرأ عن مشاركته في اعتصام فُضَّ بالهراوات في عمّان، وعن حضوره بين حشود المتظاهرين في ميدان التحرير في القاهرة، بينما تحضر ليبيا والبحرين وتونس من خلال أحاديث مع أصدقاء من هناك.
إلى جانب المدونات التي توثّق مشاهداته وتجاربه المخلوطة بسير الأمكنة والأصدقاء، هناك نصوص قصيرة ذات مذاق شعري وسردي مستقل، لكن السمهوري يمرّ عليها بسرعة لا تعطيه فرصة أن يحول ما يكتبه إلى مادة أدبية متماسكة. قد نقرأ جملة مدهشة مثل: «كنت مثل ذبابة في غرفة مغلقة، والآن وجدت حلاً.
رسمتُ شباكاً وخرجت»، إلا أن الكتاب يظل محتفظاً بصفة المدوّنات العجولة. ملاحظةٌ ضرورية لا تُنقص من القيمة الانسانية للكتاب، لكنها تتماهى مع فكرة الانتقال بين الأمكنة والتسكع بين الناس.