أنا مناضل نهضوي، عرفتُ القمع والسجن، وحين دخلتُ الصحافة بعد خروجي من المعتقل، كان ذلك في صحيفة حزبية يسارية. حين أصدرتُ روايتي «برج الرومي» عن تجربة التعذيب والسجن، بعد الثورة، أصدرتُها عند ناشر يساري. هذه هي تونس الحقيقية برأيي. هذا وجه تونس المتعدد والمتسامح الذي طُمس طويلاً. وهذه تونس، كما يجب أن تكون وتبقى دوماً.
منذ الجامعة، لم يكن عندي أي مانع في التفاعل مع الآخر المختلف عني فكرياً أو حزبياً، سواء من خلال خوض نضالات مشتركة، أم بالتعاطف مع هذا الآخر حين يكون ضحية لقمع النظام. ولن أغيِّر رأيي اليوم، بعد تولي «النهضة» الحكم. أعتقد أنّ حزباً مثل «النهضة» عانى طويلاً من الاستبداد والطغيان لا يمكن أن يمارس على خصومه ما عاناه بالأمس من مضايقات وإقصاء. نحن الآن انتقلنا إلى مرحلة من التعدد والديموقراطية التي تتيح لنا التعايش في إطار من الإخاء والاحترام المتبادل. وهذا يملي على الأقليات أن تحترم الأغلبية، وعلى الأغلبية أن تكفل حقوق الأقليات.
هناك فئة من النخب الثقافية التونسية لم تتخلص بعد من أسر الإيديولوجيا. وعلى هذه النخب أن تتحرر من هذه العقدة، لتكتشف أنها تستطيع أن تتعايش مع الآخر المختلف عنها، وأنّ موقعها وحريتها سيكونان مكفولين في إطار اللعبة الديموقراطية لأنّ حماية وترسيخ المكتسبات الديموقراطية التي حققتها الثورة هي السبيل لتحصين الحريات ضد التضييق أو التسلط، أيا كانت الجهة التي توجد في الحكم أو في المعارضة.
* إعلامي وروائي تونسي من مساجين
«النهضة السابقين». تعد روايته «برج الرومي»
التي تناول فيها تجربته في المعتقل، العمل
الأدبي الأكثر مبيعاً في تونس بعد الثورة.