عمان | نرحب بكم في الأردن. نحن في عام 2011. حيث لم يخرج أحد إلى الشارع ليتظاهر مطالباً بالإصلاح والحريّات. ولم يضرب أو يعتقل أحد من المتظاهرين. ولم تُسقِط التظاهرات الأسبوعيّة حكومتين، ولم تصمد أولاهما أكثر من شهر بعد بدء التظاهرات. نحن الآن في الأردن 2012، حيث يناقش مجلس النواب في هذه الأثناء توصية من حكومة فايز الطراونة، تقضي بتعديل قانون المطبوعات والنشر بغية منح الحق للحكومة في حجب المواقع الإلكترونيّة، التي تبثّ من الخارج، وإلزام المواقع المحليّة بالتسجيل والترخيص، على أن يكون رئيس التحرير عضواً في نقابة الصحافيين، واعتبار التعليقات التي تنشر في المطبوعة الالكترونيّة «مادة صحافيّة».
البند الأخطر في مشروع التعديل هو البند «د»، الذي يجبر المواقع الإلكترونيّة على «عدم نشر التعليقات إذا تضمّنت معلومات أو وقائع غير متعلقة بموضوع الخبر، أو لم يتم التحقّق من صحّتها، أو تشكّل جريمة بمقتضى أحكام هذا القانون أو أي قانون آخر».
خلال جلسة مجلس النواب يوم الاثنين الماضي، قامت الحكومة، ممثّلةً بوزير الدولة لشؤون الاعلام والاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة الصحافي سميح المعايطة، بالدفاع بشراسة عن التعديل. الصحافي استدرك عرفيّة تعديل قانون المطبوعات بقانون عرفيّ آخر، مبرّراً بأن «حجب المواقع يضعها في الخانة نفسها مع الصحف المطبوعة»، الأمر الذي «يوازي إيقاف الصحف أو منعها من الصدور». وقد قدّم المعايطة دفاعه محتميّاً بدولة العشائر، قائلاً إنّ القانون يطمح إلى حماية الأب والزوج من التعرّض «لأعراض ابنته وزوجته وأمه».
أما ردود فعل الجسم الإعلامي، فتمثّلت في رفض نقابة الصحافيين لمشروع التعديل، والتهديد بالسير «بإجراءات تصعيديّة» لم تتحدّد. واعتصمت «تنسيقيّة المواقع الالكترونيّة» أمس أمام مجلس النوّاب، وأصدرت بياناً طالبت فيه بتحويل المعايطة على مجلس تأديبي في نقابة الصحافيين.
وصلت الخطوات الاحتجاجيّة إلى ذروتها بالأمس، حين شارك أكثر من 500 موقع الكترونيّ إخباريّ ومجتمعيّ ومدونات شخصيّة في تظاهرة «العتمة الإلكترونيّة» من خلال إدراج رسالة توعويّة حول مشروع تعديل القانون قبل الدخول إلى صفحاتها الرئيسيّة. وبدعوة من موقع «حر يا نت».
في مقابلة له مع الإعلامي الأميركيّ تشارلي روز سابقاً هذا الشهر، تحدّث الملك عبد الله الثاني بفخر عن أنّ الأردن «يزوّد ما نسبته 75 في المئة من المحتوى العربي على الإنترنت».
فهل يستخفّ تعديل قانون المطبوعات بهذه النسبة؟ وهل يضمن القانون ـــ في حال إقراره ـــ لسميح المعايطة نفسه ألا يتعرّض للمقاضاة بسبب مقال له يتضمّن معلومة «لم يتم التأكّد من صحتها»؟ وهل لجأت الحكومة إلى القضاء في الطلب من «النايل سات» وقف بثّ قناة «جوسات» الفضائيّة؟ هذه أسئلة لا تستطيع الحكومة الإجابة عنها إلا بإخضاعها لدولة جورج أورويل التي يدافعون
عنها.