تأخّر فؤاد حلواني في انجاز فيلمه «المصوّر»، فسقط من برنامج «مهرجان السينما اللبنانية» الذي اختُتم أخيراً، ليحطّ في «مترو المدينة» (الحمرا) حيث عُرض قبل أيام. تأخر المخرج الشاب في انجاز شريطه، فحرم المراهنين على سينما لبنانية شبابية واعدة من نقاد وسينمائيين ومحبّي الفن السابع من رؤية فيلم يشي بجيل جديد يعرف كيف يخرج راضياً مرضياً من مغامراته السينمائية.
من قال إنّ الفيلم الجيد هو ذلك الذي ينتج حصراًَ بميزانية كبيرة؟ أو الذي يصوّر في مواقع عدة، أو حتى الذي ينجز بسيناريو قادر على الإمساك بالجمهور؟ فؤاد حلواني يقدم فيلماً صامتاً ينتمي الى المدرسة التعبيرية التقليدية، المدرسة التي نشأت في المانيا وتطورت في بريطانيا وتمذهب بها عشرات المخرجين ممن تركوا بصمة في السينما العالمية. ولعل آخر تلك الآفلام «خطاب الملك» لتوم هوبر الذي كان من أفضل الأعمال التي أُنتجت عام ٢٠١٠، ما قاده الى الفوز بأربع جوائز أوسكار من بينها جائزة أفضل مخرج. هذه السينما تبرز قوتها في التركيز على الممثل وتعبيراته الجسمانية، فليس تتابع الأحداث ما يبني القصة الدرامية بل تفاعل الممثل مع تلك الأحداث الذي قد لا يكون أكثر من حركة جسمانية. أما الكاميرا التي تلتقط تلك التفاعلات لتنقلها الى المشاهد، فتنسج علاقة بينها وبين تعابير الشخصية الأساسية في الفيلم قادرة على إدراك اعماق المشاهدين. وهذا تماماً ما أجاده حلواني في «المصوّر» الذي يقدم رجلاً يتقمص شخصية هتلر في جلسة تصوير. تمكّنت الكاميرا من إظهار جنون العظمة الذي يسيطر على الإنسان ويتحكم بتصرفاته. مرة تلو أخرى، يتحوّل الممثل حسين نخال من مشروع هتلر الى هتلر مكتمل الصفات: بتعابير وجهه. تحركات يديه. اهتزازات سبابته. وحتى بنظرته. يقدم الممثل اليافع أداءً مقنعاً لا يثبت أنّ الفيلم قدم لنا مخرجاً واعداً فحسب، بل ممثلاً من الطراز الرفيع. يستطيع المخرج بكلفة لم تتجاوز الألف دولار أن يقدم فيلماً مشغولاً بقدر عال من الإبداع، ويعرف تماماً كيف يبني شخصية فيلمه. كيف ينقلها الى المشاهد مع تناغم حاد بين كادرات الكاميرا والإطار الموسيقي الذي يحيط بها. هنا لا حوار. لا سيناريو، الفيلم صامت والكلام لحركات الجسد. والأهم أنّه لم يغرق في الإطالة التي لا لزوم لها. ١٤ دقيقة كفيلة بإيصال الرسالة وكافية ليقول المخرج لمتابعيه: أفسحوا لي المجال، فلي مكان هنا على الساحة.
فواد حلواني تخرج قبل عام فقط من «الجامعة اللبنانية الأميركية» وهذا الفيلم هو باكورته بعد مشروع تخرجه الذي حمل عنوان «صورة». لقد تأخّر حلواني في تقديم فيلمه ليعرض في «مهرجان السينما اللبنانية» الذي اختتم منذ أسبوع، إذ انتهى من وضع اللمسات الأخيرة على «المصوّر» قبل أيام فقط، وهو الآن يعتزم ارساله للمشاركة في أكثر من مهرجان في لبنان وخارجه. فهل يلفت الانتباه؟