القاهرة | بعد أيام قليلة من شنّ الزعيم الإخواني عصام العريان هجوماً على اليسار المصري واتهامه بالحصول على تمويل من الخارج، أُعلن عن توقّف الموقع الإلكتروني لجريدة «البديل» اليسارية. الموقع الذي أسهم بقوة في الدعوة إلى «ثورة يناير»، شهد خلال الشهرين الماضيين توسعات هائلة بهدف تحويله إلى بوابة إلكترونية شاملة تمهّد لإطلاق الجريدة المطبوعة مرة أخرى. لكنّه تعرض لانتكاسة غير متوقعة.
بحسب خالد البلشي، رئيس تحرير الجريدة، فإنّ الممولين أبلغوه فجأة أنهم عاجزون عن الاستمرار. وكان البلشي قد تولّى مهمة الإبقاء على الحلم بعد رحيل مؤسس «البديل» المفكر الكبير محمد السيد السعيد؛ إذ إنّ التيار اليساري في مصر يعاني دوماً من غياب وسائل إعلام تدافع عنه، مع الأخذ في الاعتبار الحالة المتردية التي وصلتها المطبوعات الصادرة عن حزب «التجمع» اليساري. وكان فريق «البديل» قد انتقل قبل رمضان إلى مقرّ جديد مطل على نيل القاهرة ومزوّد بتجهيزات فنية ومكتبية هائلة بهدف الاستعداد لعودة الإصدار المطبوع في أقرب وقت، على أمل أن تعود جريدة اليسار إلى باعة الصحف. وكان أكثر من 100 صحافي وصحافية قد اختاروا العمل في التجربة، إيماناً بها قبل أي اعتبارات أخرى. لكن فجأة انهار كل شيء، وبدا أنّ الجميع قد وقعوا في الفخ من دون تمهيد، ولا تفسيرات. هل هناك ضغط يمارس على الممولين كي ينسحبوا بسبب وقوف الجريدة ضد الإخوان المسلمين؟ الثابت أنّ «البديل» الإلكتروني يصنَّف باعتباره أكثر مصادر الأخبار مهنيةً في مصر. هو لا يمثل حزباً معيناً ولا يرتبط بقناة فضائية، وممولوه لم يكونوا من رجال الأعمال المشاهير.
متوسط المعاشات التي كان يحصل عليها الصحافيون توازي نصف ما يحصل عليه أقرانهم في صحف أخرى لا تحظى بالاحترام نفسه من القارئ. لكنّ الأخير لن يفعل شيئاً لجريدة كانت الوحيدة التي تنشر أي مقال ممنوع في الصحف الحكومية. وهي الوحيدة التي كانت تهتم بالإضرابات والاعتصامات في أي مصنع أو شركة، وصولاً إلى «ماسبيرو» (مبنى التلفزيون الرسمي) حيث الوقفات الاحتجاجية لا تنتهي. لا يوجد في مصر ما يدعم تجربة اكتتاب القراء من أجل صدور جريدة تعبّر عنهم. في الوقت نفسه، لم يكن مستغرباً البرود الذي قابل به المهتمون بحرية الصحافة خبر توقف تجربة «البديل» لأسباب مادية، ربما لأن معركة معظمهم هي مع الإخوان المسلمين. لكن عندما تتوقف جريدة حرة لأسباب مادية، يصبح الرد «ما باليد حيلة». يؤمن صحافيو «البديل» بأنّهم عائدون حتى لو افترقوا ــ مؤقتاً ــ في صحف أخرى؛ لأنّ ما يجمعهم أكبر من أن يقطعه المموّلون. ولأن الدرس الذي تعلّموه منذ انطلاق التجربة، مروراً بكل العثرات التي واجهتها أنّه لا بديل من «البديل».