انتهى العرض الموسيقي الناجح الذي قدّمه مادو والفرقة ضمن فعاليات «الفن ميدان» في وسط القاهرة، لكن مادو ــ أو المغني محمد عبد العال ــ عاد إلى المسرح غاضباً، أمسك الميكروفون معترضاً على التوبيخ الذي وجهه إليه بعض منظمي المهرجان في الكواليس بسبب توجيهه الشكر ـ أثناء عرضه ـ إلى الرئيس محمد مرسي على عدم تعطيله المهرجان، رغم زيارته «قصر عابدين» الرئاسي المطل على موقع الفعاليات.
لا أحد يمكنه أن يزايد على مادو. عرفه الجمهور الشاب قبل أشهر ضمن فريق «تاكسي»، الذي قدم آنذاك أغنية تنتقد مبارك والتوريث. الأغنية حملت عنوان «قالوا مجنون» وهو نفس عنوان دعاية شهيرة لإحدى شركات الخلوي. قدم الفريق أغنيته بنفس عنوان ولحن الدعاية مع تحوير الكلمات لتنتقد مبارك «قالوا مجنون اللي يفكر/ بلدنا دي تتطور/ طب ليه وازاي وفين/ قالوا مجنون اللي يخلي/ واحد كابس تملي/ من عام واحد وتمانين». بعد الثورة، انفصل مادو عن الفريق وكوّن «مادو والفرقة»، لكنّه واصل تطوير الأغنية. في حفلة «الفن ميدان» حوّر الكلمات مجدداً إلى «قالوا مجنون اللي يفكر/ بلدنا دي تتحرر/ في وجود عمو المشير، قالوا مجنون اللي يغلط/ في يوم بكلمة واحدة/ على رجالة التحرير». حظيت الأغنية والحفلة بتجاوب كبير، لكن شكر المغني لمرسي لم يأت على هوى منظمي الفعاليات، فخرج أحدهم (المخرج المسرحي محمد عبد الفتاح) ليؤكد أنّ «الفن ميدان» سيقام في موعده دوماً (السبت الأول من كل شهر) رغم الكلّ.
في الواقع، وحدهم منظمو المهرجان الشهري (نشطاء وفنانون مستقلون) يعرفون المعاناة التي تحملوها ليقام في موعده «تقريباً»، إذ تأخر يومها أكثر من ساعتين. كان الرئيس مرسي متوجهاً صباح اليوم نفسه إلى «قصر عابدين» في زيارته الأولى إليه (يعمل عادة من «قصر الاتحادية» في مصر الجديدة). وكعادتها في «الاستسهال»، طلبت أجهزة الأمن من منظمي «الفن ميدان» تأجيل مهرجانهم إلى اليوم التالي (أي الأحد) رغم أنّ زيارة الرئيس ستنتهي قبل العصر بينما تبدأ الفعاليات في السادسة مساءً. وحتى بغض النظر عن استفزازية الطلب الأمني، فتعدّد مظاهر المهرجان بين عروض موسيقية وسينمائية، يصعب التنسيق بينها لموعد محدد سلفاً، فما البال عند تغيير الموعد؟ رفض منظمو المهرجان التأجيل وأعلنوا إلغاءً احتجاجياً. وما لبث أن اتصلت مؤسسة الرئاسة لتبلغهم «إصرار الرئيس على إجراء المهرجان في موعده»، على أن يتسلم المنظمون الميدان في الواحدة والنصف عصراً، وبدت تلك نهاية سعيدة، لولا الأجهزة الأمنية مجدداً!
تأخَّر تسليم الميدان التاريخي إلى الخامسة بعد العصر. قال أحد منظمي المهرجان لـ «الأخبار» إنّ معظم محالّ تأجير الكراسي رفضت التعامل مع المهرجان في ذلك اليوم، ما يشي بأنها تلقت تعليمات أمنية بذلك، لكن النشطاء ـ الخبراء بعروض الشارع ـ استطاعوا التصرف. بدأ المهرجان متأخراً، بما فيه وقفة الشموع في مناسبة الذكرى السابعة لضحايا «مسرح بني سويف»، واستمرت الفعاليات إلى صباح اليوم التالي، لكن ذلك أثّر في حجم من استطاع البقاء من الجمهور.
لكن مرسي ليس المشكلة الوحيدة التي تهدد «الفن ميدان». الفعالية التي تعد المكسب الأكبر للفن المستقل في مصر بعد الثورة، وكان يستحيل تخيّلها في عهد أجهزة مبارك، التي حاربت أي نشاط في الشارع، تواجه اليوم أزمات مادية أجبرتها على إيقاف الحفلات الموازية في ميادين المحافظات، لتكتفي الآن بفعاليات القاهرة في ميدان عابدين. رغم أنّ الفرق تشارك تطوّعاً بهدف «جعل الثقافة جزءاً من حياة الناس» و«فتح الشوارع والميادين أمام الأعمال الفنية»، إلا أنّ كلفة المهرجان ما زالت تفوق طاقة منظميه، الذين أعلنوا قبول التبرعات إنقاذًا للاحتفالية التي يندر مثالها في شوارع المحروسة.