لبنان 1999: عندما صدر ألبوم Californication لفرقة «ريد هوت تشيلي بيبرز»، كانت سوق الأسطوانات، عالمياً، تعيش فترة ذهبية، وكان لبنان هدفاً أساسياً لهذه الصناعة في منطقة الشرق الأوسط أو العالم العربي عموماً. بل إن سعر القرص المدمج راح ينخفض باستمرار في تلك الفترة، وأصبحت الموسيقى في متناول شريحة أوسع من الناس. كان الأمن مستتباً نسبياً أيضاً، والحياة الليلية في أفضل حال.
حصل يومها ما يشبه الظاهرة في أوساط جمهور الأغنية الشعبية الشبابية الغربية التي كانت تتمتع هي الأخرى بالحد الأدنى من المستوى: اجتاحت الأغنية التي أعطت اسمها للألبوم المذكور أعلاه الفضاء السمعي في الحانات والنوادي الليلية والسهرات الخاصة بين الأصحاب. إيقاع فانك ــ روك، لحنٌ سَلِس، وسخرية سوداء في ظلّ تفشّي ظاهرة العولمة... هذا ما جذب الأذن. وما إن وصل الأمر إلى التخمة، حتى ظهرت أغنية ثانية من الألبوم نفسه هي Scar Tissue. كل هذا جرى قبل انتشار الانترنت واليوتيوب وغيرها من الوسائل السهلة والسريعة وغير المكلفة لتناقل جديد للموسيقى. فعلاً، نجح هذا الألبوم في إعادة الفرقة إلى الضوء، فراحت أخبارها تتداول مجدداً بين جيل سابق كان قد تابع نشاطها منذ انطلاقها في الثمانينيات، كمّا تعرَّف جيلٌ من المراهقين عليها وأدخلها في اهتماماته الموسيقية.
ما كان سبب هذا النجاح؟ أولاً، انقسم تيار الموسيقى الغربية (ونقصد الأغنية الشبابية التجارية) أواخر القرن الماضي إلى أقسام عدة. أبرزها: الأغنية الهابطة (ومن بينها الراب الذي كان قد بدأ بالانحدار الأخلاقي)، التريب ــ هوب والإلكترو ــ روك وغيرها من الأنماط التي تماهت بنسب متفاوتة مع تكنولوجيا الإلكترونيات، الروك الحديث ولكن الكلاسيكي من حيث تركيبة الفرقة، «ريد هوت تشيلي بيبزر» كانت في الفئة الثالثة، مثل «بلاسيبو» و«كايك» وغيرهما.
إذاً، اعتماد الفرقة هذا الأسلوب جعل منها محط إعجاب الجيل المخضرم (جمهور إيغي بوب ودايفد بووي وغيرهما)، كما المراهقين المتلهّفين إلى كل ما هو مُكرَّس عالمياً، خصوصاً أنها استطاعت أن تجمع بين الإرث القديم للروك والصوت الجديد الخاص بها. ثانياً، ألبوم «كاليفونيكايشن» بحدّ ذاته حمل ما يجذب جمهور البوب والروك عموماً، رغم اعتبار مشروع الفرقة بمجمله موجّهاً إلى الجمهور غير المتطلِّب، بوصفه تجارياً إلى حدٍ ما، نسبةً إلى المشاريع الموسيقية الأكثر تجريبية وجدّية في مجال الروك الحديث. ثالثاً، كما أسلفنا، استفاد الألبوم ذو الغلاف الأزرق والبرتقالي من مرحلة الذروة في آخر سلعة تحترم صناعة الموسيقى، أي الـCD، وذلك في لبنان والعالم.
تأسست هذه الفرقة في الولايات المتحدة الأميركية عام 1983. ترك وانضم إلى تركيبتها الرباعية الكلاسيكية أكثر من عشرة موسيقيين، فبقي اثنان من مؤسسيها. أصدرت عشرة ألبومات، أولها غير معنوَن، وأشهرها «كاليفورنيكايشن» وآخرها I’m With You الذي صدر الصيف الماضي.
لبنان 2012: عودة إلى أجواء 1999... مع فارق «بسيط». آنذاك، تلى ظاهرة «ريد هوت تشيلي بيبرز» تحرير الـ2000. أما اليوم فتليها خطوة باتجاه التطبيع غير المباشر.