يستكمل الباحث السوري محمد شحرور مشروعه في تقديم رؤية معاصرة للنصوص الدينية الإسلامية المؤسسة. في «السُّنّة الرسولية والسنة النبوية» (دار الساقي) يضيء على النص الثاني من حيث القداسة والأهمية في الإسلام (السُنّة) من منظور جديد تطغى عليه النظرة العلمية في القراءة. اختصاصي الهندسة في «جامعة دمشق»، الذي بدأ دراساته القرآنية عام 1970، لا يكتفي هنا بتقديم نقد لمفهوم السنّة التراثي عبر نقد المفاهيم الشافعية في النظرة الى السنّة بجعلها وحياً موازياً للقرآن. كذلك لا يخالف الباحثين العرب الآخرين كمحمد أركون ونصر ابو زيد في الحاجة الى تقديم رؤى معاصرة للتراث الديني بشقيه الحديثي والقرآني. يتفق معهم على ضرورة تقديم فهم للنصوص في سياقاتها الزمنية والتاريخية بخلاف الفهم الشافعي لتلك النصوص. يأخذ الكاتب على الشافعي أموراً عدة، منها أنّه «يؤسس لعصبية جديدة لم تكن موجودة (...) فاللسان عنده عربي هو لسان الله والملائكة. والعربية عنده توفيقية لا تجوز الصلاة الا بها».

بهذا الفهم، يكون الشافعي ـ بحسب الكاتب ـ قد حوّل العرب الى شعب مختار، والرسالة المحمدية من رسالة عالمية الى رسالة محلية لا تخرج عن حدود بادية الاعراب. يعيد صاحب «تجفيف منابع الارهاب» تحديد وظيفة الحديث في الدلالة المعرفية الابستمولوجية الحديثة. مثلاً، يرفض الأخذ بمطلق مفهوم عدالة الصحابة، كما يرفض كلّ الأحاديث المتعلقة بالغيبيات «لأنّ القرآن المؤسس ينفيها، ولأن التقدم المعرفي الابستمولوجي ينفي صحتها» ويحصر معجزات الرسول في معجزة واحدة هي القرآن بدلالة التنزيل. بعد الانتهاء من نقد الشقّ التراثي للسُّنة، يوغل في تأسيس فهمه المعاصر لها عبر قسمين: الأول هو السنّة الرسولية التي هي الوحي الذي أُنزل على قلب محمد وما جاء فيها من قيم وشعائر ومبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أما الثاني، فهو السنة النبوية التي تتفرّع بدورها الى قسمين، أحدهما القصص القرآني وهو نسبي لا تؤخذ منه الا العبرة، والقسم الآخر هو أحاديث النبي الصحيحة، التي لم تعارض التنزيل ومارس فيها النبي شؤوناً عسكرية واجتماعية مختلفة، وينطبق عليها تغير الأحكام بتغيّر الزمان.
وفي مجال الطاعة اللازمة في حق الرسول، يضع الكاتب ثلاث مقامات لمحمد. هناك محمد الرجل ككل الرجال، ما ينفي عنه صفة العصمة التكوينية (قل إنما أنا بشر مثلكم) بسلوكياته الطبيعية. والمقام الثاني هو مقام محمد النبي الذي يؤسس لكونه رسولاً حاملاً للرسالة وهو مقام ضروري لبعثه رسولاً. ويضطلع في هذا المقام بمهمة الاجتهاد في السلطة وممارستها وتنظيم أمور المجتمع والقضاء. وهي اجتهادات لا تحمل الطابع الأبدي. أما المقام الثالث والأخير، فهو مقام محمد الرسول الذي يتضمّن الطاعة اللازمة له، إذ اقترنت دلالة آيات الطاعة باستخدام لفظ «الرسول»، لا «النبي» (ومن يطعِ الرسول). في الخلاصة، لعل المبرّر الأهم لهذه الدراسة من منظور الكاتب «هو وقوع الأمة في قبضة طبقة من الهامانات السفهاء، يحللون ويحرمون ويعطون شهادات حسن سلوك لمن يريد دخول الجنة». في النهاية، يأمل الكاتب أن يكون هذا التأسيس الجديد في النظرة إلى السُّنة «شمعة على طريق إعادة الأمة من هامشية التاريخ الى مجال الفاعلية في تطور الإنسانية».