بعدما عاودت MTV بثها عام 2009، بدأ القلق يتسرّب إلى رئيس مجلس إدارة LBCI بيار الضاهر. قبل شاشة المرّ، كانت LBCI لا تزال تستحوذ على 70 في المئة من سوق الاعلانات المتلفزة في لبنان. إلا أنّ صعود «أم. تي. في» تزامن مع الخلاف بين الضاهر وسمير جعجع على ملكية القناة الأرضية. هنا، أدرك الضاهر أنّ جزءاً من جمهوره التقليدي (الجمهور المسيحي) سيتحول إلى «أم. تي. في»، إضافة إلى جمهور 14 آذار. لكن ما جعله يطمئن أنّ نصف الجمهور اللبناني سيقاطع المحطات المحسوبة على 14 آذار ومن بينها «أم. تي. في».
مع ذلك، كانت MTV تصعد يوماً تلو آخر، مراهنةً على الترفيه. لكنّ هذا الصعود لم يُترجم في الحصة الاعلانية التي ظلّت LBCI مستحوذة عليها... إلى أن أتت بداية عام 2011. حينها، بثت «الجديد» محاضر تحقيق لجنة التحقيق الدولية تحت عنوان «الحقيقة ليكس». ضمت تلك التقارير التي عُرضت في النشرة المسائية خليطاً سحرياً في عالم الإعلام: الأمن، الجريمة، النميمة، وسياسيين يستخدمون لغة بذيئة كتلك التي تُستخدم في يوميات الأزقة، بعيداً عن الكاميرا. خرجت إلى الضوء أسرارٌ عن رشى وشتائم «أبطالها» أعلى المراجع السياسية. حقّقت التقارير نسبة مشاهدة غير مسبوقة لنشرة أخبار «الجديد». ارتفعت حصتها من «السوق» اليومية، ففاقت المحطات الأخرى وأولاها «أل. بي. سي». وبعدما انتهت التقارير، انتقلت «نيو. تي. في» إلى مرتبة جديدة. إضافة إلى مشاهديها «الأوفياء»، كسبت مشاهدين جدداً بفضل «الحقيقة ليكس»، ما أدى إلى تفوّق نشرتها في نسبة المشاهدة بعدما كانت «أل. بي. سي » تتسيد الاحصاءات لسنوات. للمرة الأولى، شعر الضاهر بأنّه ليس الأول. لقد أتته الضربة من حيث لم يتوقع.
في هذا الوقت، كانت حمّى «الإعلام الجديد» قد أصابت الضاهر. رأى ربان «أل. بي. سي» أنّ الاعلام التقليدي يعيش أزمة وجودية في مجال نقل الخبر وسط سطوة الاعلام البديل. صار الهاتف الخلوي يغني حامله عن نشرة الأخبار. في موازاة ذلك، لم تعد قناة «القصة كلّها» الأولى في مجال الترفيه. مايا دياب (MTV)، وLOL (أو. تي. في) وغيرهما تفوّقا على ما تقدّمه LBCI من «انترتاينمنت». هنا، وضع الرجل نصب عينيه هدفين: تحديث نشرة الأخبار، والاستثمار في الترفيه والدراما. ركّز على الأخبار. أراد إخراجها من تقليديتها، وتوجيهها صوب القضايا الاجتماعية. خاض معركة داخلية أدت إلى خروج جورج غانم من المحطة، بعدما حمّل الأخير مسؤولية تراجع نسبة مشاهدة الأخبار والبرامج السياسية. ثم استعان بصحافيين من خارج «البيئة الحاضنة» لموظّفي «ال. بي. سي»، خصوصاً أنّ الضاهر قرّر الانفتاح على شرائح ليست ضمن الجمهور التقليدي لمحطة «القوات اللبنانية» (سابقاً): إنّه «الجمهور الشيعي»، وبدرجة أقل «الجمهور السني»، ففي بلاد الطوائف، حتى الإعلانات تُحتَسَب على أساس الانتماء المذهبي. علماً أنّ الاحصاءات التي تحدد نسبة مشاهدة كل محطة، تجريها شركة «ستات ابسوس» على أساس أجهزة تُثبَّت داخل منازل عينة من أكثر من 600 لبناني. ويجري تبديل هذه المنازل دورياً. وبناءً على هذه الاحصاءات، تُحدَّد نسبة الاعلانات التي تحصل عليها كل محطة. لكنّ بعضاً في الوسط الإعلامي والإعلاني يتداول شائعة مفادها أنّ إحصاءات الشركة لا تشمل المناطق الشيعية، بدعوى أنّ القاطنين في مناطق تابعة لنفوذ «حزب الله»، يرفضون تركيب أجهزة داخل منازلهم. الاحصاءات إذاً تشمل كل اللبنانيين ما عدا «الشيعة». وفي «البيئة الشيعية»، تتفوق «الجديد» على ما عداها.
إذاً، أراد الضاهر اقتحام هذه البيئة التي صار يُنظر إليها كقوة شرائية كبرى، منذ أن فقد «المسيحيون» مركزية رأس المال. أعجب الشيخ بيارو بفوضى «نيو. تي. في»، ورأى أنّ مراسلين شيعة قادرون على إيصاله إلى قلوب أبناء جلدتهم المذهبية. تعمّد مقابلة صحافيين من تلك الطائفة، ومن قوى 8 آذار، عارضاً عليهم العمل في الأخبار في LBCI. كان له بعض ما أراد: تلقف بعض الزملاء عرضه، فيما رفض آخرون كنوال بري ومالك الشريف من «الجديد» (وعدد من الزملاء في «الأخبار»).
إضافة إلى كل هذه العوامل، انخرط الضاهر في الـ«نيو ميديا» من خلال خدمة الخبر العاجل والنقل المباشر. لكن كل ما قام به الضاهر خلال الأشهر الماضية، لم يُترجم جدياً في إحصاءات «ستات ابسوس». إذ إنّ «الجديد» لا تزال متفوقة عليه في نشرتها الاخبارية من دون الأخذ في الاعتبار الشائعة التي تقول إنّ «الجمهور الشيعي» غير مشمول بدقة في تلك الاحصاءات. وعند هذا الجمهور، لا يمكن منافسة «مقدمة مريم البسام»!

إحصاءات نسبة مشاهدة النشرات المسائية