ما الذي يجمع «الجديد» و LBCI؟ منذ أشهر فقط، كنّا سنقول لا شيء... إلى أن قرّر رئيس مجلس ادارة «المؤسسة اللبنانية للإرسال» بيار الضاهر أن يأتي بـ «وصفة» مريم البسام إلى أدما (بغض النظر عن الاختلافات بين المقدمتين): مقدمة نشرة مسائية نارية، ومراسلون شباب يفتحون جمهور LBCI المتمترس في خندق طائفي واحد، على رحاب العالم العربي من خلال تقارير إخبارية، إضافة طبعاً إلى ملاحقة قضايا الناس والمواطن في لبنان... كانت البداية مع فريق مراسلين جدد على رأسهم مسؤولهم خالد صاغية الذي انضم إلى المحطة منذ حوالي سنة.
ومهما كان، فهذه النتيجة تصبّ في مصلحة المواطن وحقوقه وقضاياه، رغم أنّه لا يخفى على أحد أنّ الضاهر يسعى إلى الخروج من عنق الزجاجة، وإلى استعادة دور محطته الريادي، وبالتالي الاستحواذ على كعكة الإعلانات. بعد الخضة التي شهدتها أورقة أدما منذ اعلان الوليد بن طلال فك شراكته مع الضاهر و«مجزرة» صرف الموظفين، وخروج جورج غانم من القناة واستمرار النزاع القضائي على المحطة الأرضية، عمل الضاهر على امتصاص الصدمة وإعادة توجيه بوصلته، باحثاً عن «الوصفة السحرية» التي تحقّق له المعادلة الصعبة في بلد الطوائف والعشائر والانقسامات الحادة: كيف السبيل إلى استقطاب قاعدة أوسع من المشاهدين؟ كانت القناة «الرمادية» كما يصفها البعض، تعلم أنّه ليس هناك من غريم حقيقي الا «الجديد». دخلت «المؤسسة اللبنانية للإرسال» أرضاً غريبة في وقت كانت النشرة الإخبارية لـ «الجديد» قد احتلت الصدارة خلال السنوات السبع الأخيرة. ثم حلّت في قلب جمهور المقاومة تحديداً بعد السياسة المهنية التي انتهجتها في مقاربة أحداث الفتنة بعد 2005، ثم تغطيتها لعدوان تموز
وبعده.
مثّلت «الجديد» البديل عن الاعلام الرسمي أو الحزبي الذي يتصف بالأناة والبطء وانتقاء الخبر والعبارة بما يتناسب مع سياسة الجهة الناطق باسمها. والأهم أنّها بدت خارجة من رحم الشارع بدءاً من المسائل التي تضيء عليها وصولاً إلى تركيبة مراسليها وشخصياتهم. لقد تمرّست هذه المحطة في الاقتراب من المواطن، ومثلت منبراً وفياً يعكس نبض الشارع بما تيسّر من مهنية، فكان وفياً لها. أما LBCI، فبنت عزّها وعرشها كذراع إعلامية لـ «القوات اللبنانية» في الحرب، وإذا ببيار الضاهر ينقل «البندقية» ويقرّر تشريعها على أفق أوسع ذي «نكهة» يسارية. انطلاقاً من هذه الخلفيات، تبدو مغامرته غير محسوبة.
التنافس الشرس بين المحطتين لمسه المشاهد خلال الأشهر الماضية، وخصوصاً في قضية المخطوفين اللبنانيين الـ 11. في ظل المنافسة التي تواجهها LBCI من mtv التي سرقت منها اليمين المسيحي، حاولت قناة الضاهر البحث عن جمهور أكبر... فوجدت ضالتها في جمهور الضاحية، وخصوصاً الشيعي المعني المباشر بقضية المخطوفين. بعد مدة من المنافسة الميدانية بينهما من خلال سياسة الهواء المفتوح التي كان من نتائجها تقاسم أهالي المخطوفين بين القناتين، تحزبت حملة «بدر» لـ «أل. بي. سي»، حملة «الصدر» لـ«الجديد». سجّلت LBCI الهدف الأول عبر تقرير مفاجئ أُعد من تركيا، وكشف هوية الخاطفين بوصفهم من «الجيش السوري الحرّ». هنا، انتفضت «الجديد» لتكذّب الخبر، واستضافت الاشخاص أنفسهم، وبقيت الشكوك تدور حول كيفية ترتيب اللقاء السريع إلى أن سطع نجم أبو ابراهيم، وتحوّلت اعزاز محجّة المحطتين. عمليّة الكرّ والفر، كان ضحيتها أفراد عائلات المخطوفين الذين كانوا يسمعون الشيء ونقيضه في اليوم نفسه، وصارت القضية همّ «ال. بي. سي» اليومي، فلم تغب عن مقدمات نشراتها حتى لو لم يكن هناك من تطوّرات. أما «الجديد»، فتابعت الموضوع كرد على اقتحام «ال بي سي» لميدانها وجمهورها. كان السباق معها على الخبر والمعلومة، الى أن تعّرضت لنكسة، حين نجحت LBCI في تسجيل مقابلة مع المخطوفين وزيارتهم، فبادرت «الجديد» الى فكرة أكثر «ابتكاراً» استلهمتها من تلفزيون الواقع، وأخذت بعض عوائل المخطوفين الى اعزاز، ولحقت بهم «ال. بي. سي». سباق كانت آخر فصوله مأساوية مع قصف اعزاز وشائعة مقتل المخطوفين الـ 11 التي سقط في فخّها الاعلام اللبناني. منافسة إعلامية تستبطن في ثناياها جشعاً اعلانياً في الدرجة الأولى، دفع «ال. بي. سي» الى إطلاق قناة «دراما» الحمراء، ليسهل عليها متابعة سياسة الهواء المفتوح الذي يزيد نسبة المشاهدة.
مع ذلك، لم يحسم ذلك النتيجة لمصلحة LBCI. مزاج الشارع ما زال يميل إلى «الجديد». ما زالت الأخيرة متقدمة بأقل من نقطتين على غريمتها، لكنّ الفارق الضئيل بين القناتين، يبشر بمنافسة لن تنتهي قريباً، ولا يبقى للجمهور سوى الصلاة بأن لا يكون الضحية مجدداً، عسى أن تنحصر هذه المنافسة في خدمته وخدمة قضاياه في الدرجة الأولى، ولو كانت الأهداف... تجارية!