الرباط | بالنسبة إلى كثيرين، مثّل انتخاب الناقد عبد الرحيم العلام رئيساً لـ «اتحاد كتاب المغرب» أخيراً مؤشراً إلى الخروج من نفق مظلم كاد يودي به إلى موت محتوم، وخصوصاً أنّ المؤتمر الثامن عشر الذي شهدته الرباط منذ أسبوعين، كان مليئاً بالمشاحنات والخلافات الشخصية والانقسامات، لكن انتخاب العلام، المقرّب من السلطة والخليج، أعاد طرح سؤال جوهري حول ما إذا كانت هذه المؤسسة قادرة على أداء دورها باستقلالية تامة عن التعليمات والتوجيهات الفوقية من السلطة السياسية، التي غيّبت صوت الكتاب والمثقفين عن الحراك الاجتماعي والسياسي الذي شهده المغرب ولا يزال.
وهل أفلتت المنظمة حقاً من الموت كما يقول بعض المتفائلين، أم أنّ الأمر يتعلق بتأجيل قدر محتوم ليس إلا؟
فقد اليساريون أو بالأحرى «الاتحاديون» (المحسوبون على «حزب الاتحاد الاشتراكي») سيطرتهم على الاتحاد بعدما بدا بشكل واضح أنّهم منقسمون وفشلوا في تقديم مرشح قوي ينافس العلام. خلال الاجتماع الأخير للاتحاد الذي شهد العملية الانتخابية، استفاد العلام من كونه الوحيد الذي قدم ورقة مفصّلة عن أسباب ترشّحه، التي تضمنت وعوداً بجلب موارد مادية للاتحاد. في النهاية، خرج الرجل المقرّب من النظام منتصراً، مستفيداً من انقسام الاتحاديين في ما بينهم، وقد بلغ بعضها حد التلاسن بين تيار حسن نجمي وتيار آخر يتهمه بمحاولة تفجير المؤتمر.
خرج العلام المعروف بقربه من الخليج منتشياً، وهكذا توالت تصريحاته الصحافية: «الاتحاد ليس ذيلاً حزبياً، وتركيبته لم تكن ثمرة طبخة جاهزة. فقد سن الاتحاد بالفعل أسلوباً ديموقراطياً جديداً في انتخاب هياكله. المؤتمر الوطني الأخير مثّل منعطفاً ونقلة نوعية وتاريخية في مسار اتحاد كتّاب المغرب». بعيداً عن لعبة الانتخابات، يعتقد الكثير من الكتاب المستقلين أنّ الاتحاد لا يمثل إلا نفسه، وليس معبّراً حقيقياً عن صوت الكاتب المغربي. القاص الشاب عمر علوي ناسنا يتحدّث لـ «الأخبار»: «آمنت دوماً بأنّ الثقافة تصنعها الهوامش، ولا أتفاءل بـ «اتحاد كتّاب المغرب»، الذي يعمل ضمن نسق عام ذي سقف منخفض». ويختم كلامه مشككاً في قدرة بقاء الاتحاد مستقلاً عن سيطرة النظام: «قبل الانتخابات، كان ينبغي وضع ميثاق شرف وورقة ثقافية تحدد موقع هذه الجمعية ومسافتها من السلطة، وقدرتها على حمل الديموقراطية، لأن الديموقراطية مكلفة في وطن تلتصق فيه المِلْكيات بالجلد».
أما عضو «اتحاد كتاب المغرب» الشاعر عبد الرحيم الخصار، فيعتبر الاتحاد مؤسسة وطنية ملكاً للجميع: «شخصياً، لا أطلب شيئاً من الاتحاد، ولم يسبق لي أن طلبت، لكنني من الذين يتمنون لهذا الإطار الثقافي أن يكون في أحسن حال، ويقوم بالمهمات التي ينبغي أن تقوم بها أي مؤسسة تؤمن بالثقافة. يجب أن لا تكون هناك تبعية، فأسوأ الثقافات هي تلك التي يدير دواليبها السياسيون والمتحمسون بشكل زائد للنظام السياسي. كل ثقافة تابعة هي في نظري ثقافة ميتة». ويردف لـ «الأخبار»: «في المقابل، يجب ألّا ننتظر من المكتب الجديد للاتحاد أن يغيّر واقع الثقافة في المغرب. كل ما نتمناه أن يكون نقياً في وقت وزمن تتعكر فيهما الأشياء بسرعة».



نبذة | قلعة يسارية... سابقاً

كان «اتحاد كتاب المغرب» قلعة يسارية منذ عقود قبل أن يأتي مرشح مقرب من السلطة. وقد ظلّ «الاتحاديون» (حزب الاتحاد الاشتراكي) يقودون هذه القلعة مدة طويلة قبل أن يتخلوا عنها مجبرين بعدما غرقوا في الخلافات حتى باتوا عاجزين عن التوافق على مرشح واحد. وقد خاض اليسار طيلة فترة توليه الاتحاد معارك حقيقية لمحاولة إبقاء الاتحاد خارج جبة السلطة السياسية. وكانت مؤتمرات «اتحاد كتاب المغرب» تحظى دوماً باهتمام السلطة لأن بياناته كانت تتسم بالحدة، وتشريح للوضع السياسي والثقافي. وكثيراً ما حملت هذه البيانات انتقادات لاذعة للسلطة، كما خاض الاتحاد معارك شرسة من أجل إلغاء توقيف عدد من المجلات الثقافية أو الكتب الممنوعة.