دمشق | بالتوازي مع انتقال «الربيع العربي» من بلد إلى آخر، تحوّل الفضاء الافتراضي إلى محكمة حيث يحقّ لروّادها ما لا يحق لغيرهم! على الشبكة العنكبوتية، صار جمال سليمان خائناً لمجرد أنّه شارك في «مهرجان الدوحة ترايبيكا السينمائي» (الأخبار 29/10/2011)، فيما انتشرت قوائم العار والشرف وشهادات الوطنية على النجوم وفق مزاج «المناضلين» الجدد الذين اتخذوا من حواسيبهم مساحة لخوض معارك طاحنة قوامها الإلغاء والمنع والردح والشتم.
هكذا، صاراً مسموحاً أن يصبح رشيد عساف «شبيحاً»، ويارا صبري «بلطجية» بحسب رواد المواقع الإلكترونية التي فاجأتنا بقدراتها الخارقة على إطاحة تاريخ هيثم مناع النضالي واتهامه بالتملق للنظام فقط لأنه يعي أبعاد الأزمة السورية ولا يتوانى عن انتقاد الأنظمة الخليجية. كذلك، يمكن لكاتب افتراضي ناشئ قرر خوض غمار الثورات أن يبدد سنين طويلة من معاناة فاتح جاموس في سجون النظام السوري ويعتبره من مريديه. أما صفحات التواصل الاجتماعي، فتلك حكاية أخرى يحيك أحداثها أبطال افتراضيون صنعهم «الربيع العربي» بعدما كانوا يقبعون في الظل، ولم يسبق لأحد أن عرف بوجودهم أو سمع صوتهم ليركبوا موجة «الربيع» ويحقّقوا النجومية المشتهاة. بموازاة ذلك، يغرق العالم الافتراضي في بحر من التزوير وانتهاك خصوصيات الآخرين وانتحال صفات المشاهير. هكذا، قد تسمع موقفاً حساساً لأحد نجوم الدراما على مواقع التواصل، لكن سرعان ما تكتشف أن النجم المذكور قد ألغى حساباته ورحل عن الشبكة العنكبوتية منذ اندلاع الأزمة في بلاده. أما صاحب التصريح، فليس سوى محتال قرر انتحال صفة نجم يحبّه أو يكرهه وينسب إليه مواقف قد تؤذيه وتضر بسمعته. وقد اكتملت حلقة الفوضى أخيراً مع تعليقات القراء على مواقع الصحف العربية. مثلاً، يتعرض موقع «الأخبار» لمحاولات «نصب» متكررة بهدف خلق بلبلة وإرباك لدى فريق التحرير. مرة تنشر إحدى المزوّرات تعليقاً على مقالة الزميل خليل صويلح («ماذا كانوا يفعلون قبل الانفجار القريب؟» ـ «الأخبار» 21/8/2012) تهاجمه وتطلب منه موقفاً واضحاً يناصر «الثورة السورية» قبل أن توقّع تعليقها باسم الروائية والصحافية السورية ديمة ونوس. لكن هذه الأخيرة نفت لـ«الأخبار» أن تكون صاحبة التعليق. ومرة أخرى، يروق لإحداهن (أو أحدهم) أن تنتحل اسم نهلة عيسى نائبة عميد كلية الإعلام في «جامعة دمشق» وتعلّق على مقال «إعلاميو سوريا في دوامة الخطف والتصفية» («الأخبار» 13/8/2012) بأن «الأخبار» حورت كلام عيسى تماشياً مع ما وصفته بـ«سياسة» الجريدة من دون أن تنتبه إلى أنّ كلام عيسى الذي ورد في المقال، أُخذ حرفياً عن صفحتها على فايسبوك. وقد تدخلت عيسى «الحقيقية» في الوقت المناسب لتنفي أن يكون لها أي تدخل في كتابة أي تعليق. فيما سارعت إحدى المعلّقات إلى أخذ دور المذيعة علا عباس المنشقة عن «الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون» عندما كتبنا مقالاً عنها بعنوان «حتى علا عباس امتطت موجة الثورة» (الأخبار 8/8/2012). وقالت إنّ ما أورده المقال عنها من معلومات ليس صحيحاً، لكن عباس التي «تلتزم الصمت احتراماً للدماء السورية»، كشفت لـ«الأخبار» أنّ مَن أرسل تعليقاً باسمها ليس سوى محتال. ولم يكن هذا المحتال الأخير. بعدما نشرت «الأخبار» مقالاً بعنوان «ليالي بيروت سورية المزاج» (الأخبار 5/9/2012) بادر أحد «المتحمسين» إلى انتحال اسم السيناريست السوري فؤاد حميرة وأرسل تعليقاً هجومياً يطلق أحكاماً قطعية وشمولية لا تتفق مع فكر الكاتب السوري الذي سارع إلى نفي أن يكون كاتب التعليق. وقال لـ«الأخبار»: «عندما أختلف مع كاتب أحد المقالات على صفحات هذه الجريدة، سأسارع إلى التواصل معه وفتح نقاش موضوعي ومفيد، وليس إرسال تعليقات هجومية من هذا النوع لا تقدم ولا تؤخر».