في مجموعته الشعرية «ثلج أبيض بضفيرة سوداء» (الدار العربية للعلوم ناشرون)، لا يكترث صفاء ذياب بتكثيف قصائده أو إخضاعها لمتطلبات الحذف. الموضوعات تأخذ راحتها في الاستطراد، بينما تجاريها النبرة المحكومة بمزاج الغناء والعزلة. الغناء والاستطراد ليسا ممارسةً سيئة بالمطلق، لكن هذه الممارسة تجعل القصيدة فضفاضة وزائدة عن حاجة موضوعها في تجربة الشاعر العراقي المقيم في النرويج. صحيح أنه أصدر أربع مجموعات، وكتب مقالات ومراجعات في نقد الشعر، وشارك في إصدار مجلات متخصصة بالشعر، إلا أن ذلك لم يغيّر كثيراً في قصائده التي ظلت متفاوتة الذكاء والجودة، ومنتمية إلى غالبية الشبان الذين تمزج تجاربهم بين نبرات وأصوات مختلفة، ويكتبون على مسافة من الروح الحديثة والمكثفة للشعر. التفاوت هو حصيلة حضور القصيدة مع ما ينبغي تشذيبه وحذفه منها، كما هي الحال في قصيدة «الحرب في طبعتها الأخيرة» التي تحمل عنواناً ذكياً، لكن متنها يتأرجح بين سطور معقولة وسطور عادية: «أنا الرابح الوحيد في هذه الحروب/ كلما دخلتُ حرباً/ خرجت منها مدججاً بالأرامل (..)

وهبتني الحرب أشياء كثيرة/ وعلمتني مِهَناً لا تُعدّ/ علمتني كيف أصنع التوابيت/ وكيف أنوح على إخوتي/ وحين تعبت/ أنبأتني بأن الجلوس من عادة الحرب/ فجلستْ». التفاوت حاضر في القصيدة الواحدة، وبين قصيدة وأخرى أيضاً، لكن في الحالتين، يصطحب التفاوت معه ممارسات أخرى غير حميدة، كأن يكون المعنى ركيكاً وغامض المعالم، كما في «لا ظل لي»: «لكنها تختبئ خلف الغيوم/ كل يوم/ كل يوم تنام طويلاً/ وتشهق/ شهقةً آفلةً في الظلام/ لا ظل لي على هذه الأرض/ فالشمس وارفةٌ جداً/ في الغياب/ فيما تتكاثر البياضاتُ/ تفترش الشمس سجادتها/ وتذوب/ تذوب/ بين الأصابع». إضافةً إلى أن القصيدة لا تنجح في تسليم المعنى للقارئ، فهي تعاني من مشكلة في توزيع سطورها وكلماتها. أحياناً نقرأ قصائد مكتوبة بعناية أفضل، لكن يظل ينقصها شيء ما لكي تحوز الرضى الكامل، كما «فكرة»: «سوف أزرع يدي في الحديقة المجاورة لبيتي/ لأنني منذ 35 عاماً لا أملك أرضاً أزرع فيها يدي/ لهذا، قررت أن أسرق حديقة جاري ذات ليلةٍ، وأحفر فيها ملجأً ليديّ الشاردتين/ منذ سنين وأنا أبحث عن يدين حقيقيتين/ كي أكتب قصيدة/ وأنام/ سوف أزرع قدمي أيضاً/ وربما ظهري وبطني وإبطي و .. و ../ ربما سأتمدد في هذه الحفرة التي سأحفر/ في الحديقة التي قلت إني سوف أسرقها قبل سطور/ فأنام/ أريد ان أنام». في القصائد الأقصر، هناك عناية أفضل بالمعنى، حيث لا تسمح السطور القليلة بالانحراف عن الاستعارة المستهدفة. في «حين تنامين»، نقرأ: «حين تنامين/ تجرين خلفكِ الكون/ كوكباً/ كوكباً/ كشراعٍ في عاصفة». يحدث ذلك في سطور مضيئة داخل قصائد أطول، فنقرأ صوراً مثل: «ذاك أبي/ ضمّنا تحت عباءته كاليرقات/ ثم اندثر». كأن الاقتباسات ذاتها دليل على حاجة السطر الواحد إلى بعض الاقتضاب، إذْ يمكن إعادة كتابته، وحذف «على مهل» و «المسير» من دون أن يتغير المعنى.