«عندما تمطر السماء أشعر أنها تبكي عليّ» كلمات أخيرة قالها رياض شرارة (1940 ــ 1994) قبيل رحيله في 24 أيلول (سبتمبر) 1994. ربما كان يعلم أنّه سيكون الاسم الأول الذي سيقفز الى البال كلما خطر لأحد النبش في حنايا الذاكرة عن أحد أساطين الإعلام في لبنان. كان الإعلامي اللبناني يجلس في مقهى «اللاروندا» في ساحة البرج، يحتسي القهوة ويدخن السيجارة تلو الأخرى.
في أحد الأيّام، نصحه أحد الأصدقاء بأن يجرب حظه في الإذاعة اللبنانية التي كانت تبحث عن مواهب جديدة للبرامج. وقتذاك، كان رياض شرارة أستاذ الأدب والفلسفة في المدارس الثانوية بين رأس النبع وعاليه وقب الياس. في عام 1962، أعد رياض شرارة أول برامج المسابقات الإذاعية في العالم العربي «صفر أو عشرين» و«فكر واربح» الذي استمر 12 عاماً، ثم عمل مراسلاً لراديو BBC الى أن وافق على عرض جان خوري، وتحول مقدماً للأخبار السياسيّة في «تلفزيون لبنان»، لكن سرعان ما ترك صاحب الوجه البشوش وملك النكتة الحاضرة النشرة المسائية. في إحدى النشرات، كان يقرأ خبراً عن انتخاب رئيس إحدى الدول الغربية، تلعثم في ذكر الاسم، فقال على الهواء «إذ نهنئنه على منصبه، لا نهنئه مطلقاً على اسمه». هذه الحادثة كانت كافية كي تعرف الإدارة أن مكان رياض في البرامج الحوارية والمنوعات. صار رائد البث المباشر على الشاشة الفضية، بعدما زخر رصيده في الإعلام المسموع بنحو 30 الف ساعة إذاعية، ووصلت حلقاته التلفزيونيّة إلى أكثر من 3000، تنقل خلالها بين «صيف ونغم» عام 1970وحاور نجوم الإعلام والأدب والفن في «نجوم ولقاء».
«تقبريني هاتي بوسة» و«سامحونا» كلمات تعود حقوق ملكيتها الفكرية إليه، طبعها في أذهان من عاصروه، تلازمها ضحكة نابعة من قلب خذله، فرحل تاركاً زوجته رينيه الدبس وأولادهما غدي شرارة (مدير شركة «مزيكا») والموزع الموسيقي هادي شرارة، وهنادا ونادين.
لم يقتصر نشاط رياض شرارة على الإذاعة والتلفزيون، بل امتد إلى المكتوب، حيث تولى رئاسة تحرير «تليسنما» المطبوعة التي توقف إصدارها إبان الحرب الأهليّة اللبنانية، كما أصدر ألبومات شعرية مزج فيها بين اللحن والكلمة، منها «السيدة حبيبتي» و«عاشق بالولادة» و«عاشق حتى الشهادة».
كل من عاشره، قال عنه إنّه كان اجتماعياً شديد التواضع، لكن بقي لكل من عاصي ومنصور رحباني مكانة عميقة في قلبه. ربما لهذا تمكن غدي ومروان منصور الرحباني من إقناعه بخوض تجربة التمثيل والغناء في مسرحية «هالو بيروت». في النهاية، أودى بحياته خطأ طبي. لقد خلط الأطباء بين تعرض قلبه لأزمات متتالية وأوجاع الديسك، وأجبروه على وضع طوق طبي حول رقبته، ولم يتوقف عن تقديم برنامجه «باب الحظ» على LBC حتى لحظة رحيله. وظل يردد «اجعل كل يوم إنساناً سعيداً، حتى لو كان هذا الإنسان هو أنت بالذات». هذه المقولة نقشها على باب منزله، وعاد إلى تراب «مشغرة» في البقاع.