We Need To Talk عنوان المعرض الأول لمحمود حجيج الذي تابعنا سابقاً أعمال الفيديو، والأفلام القصيرة التي أنجزها، علماً بأنّه يعكف حالياً على باكورته الروائية الطويلة. رغم صعوبة التواصل معها من دون العودة إلى عناوين اللوحات والدردشة مع الفنان، إلا أنّ أعمال معرضه الحالي تثير تأملات حول قراءة حجيج لعلاقة الفن بالسياسة. قد نفشل في البدء في محاولة التقاط مفتاح الطرح الفني، أو المفاهيمي في معرضه. بل إنّ تكرار اللقطة الأساسية التي تظهر بحراً، وأرضاً، وسماءً، مع إضافة الأشياء عليها، قد يشعرك بأنك في دوامة «زرقاء» ذات تأويلات مفتوحة إلى ما لا نهاية.
على جدار في وسط الصالة، هناك نصّ بالإنكليزية مقسم إلى ثلاثة أجزاء. كلام عن تحوّل النظر أو الرؤية إلى وجهة نظر، وحديث عن علاقتنا بالأماكن، والإسقاطات التي نرميها عليها، فنحولها إلى ما سمعناه عنها، أو ما أردناها أن تكون...
أعمال تتشابه، تحتوي صورة فوتوغرافية للمنظر ذاته: البحر، فالبر، فالسماء، مع تغير متدرج في الإضاءة. إذاً هذا البحر الميت، فأرض فلسطين، فالسماء. هي الأرض بشكلها، ومكوّناتها الأساسية، والبدائية. لا بشر، لا بيوت، لا وطن ولا احتلال. فعلاً، يخبرك حجيج عن التقاطه تلك الصور الفوتوغرافية منذ سنتين، من منطقة البحر الميت في الأردن. التقط الصور من دون تعديل وقدّمها اليوم في المعرض، حيث حملت كل واحدة عنواناً خاصاً مثل: إعادة تنظيم، إعادة خلق، إعادة اكتشاف... كلها تحت عنوان: إعادة فلسطين.
أما الأعمال الأخرى، فقسمها إلى جزءين. في الأول، أعاد استعمال تلك الصور، محافظاً على حجم الطبع ذاته، لكنه هذه المرة أضاف أحد الأغراض التي ما عاد يستعملها من منزله. في واحدة حنفية مياه، وفي أخرى مرآة، وقطعة من آلة طباعة، ومفتاح...
أما في القسم الثالث، فقد أجرى تعديلات على الصورة الفوتوغرافية، فكررها، أو جزّأها، وأضاف إليها أشياء استعارها من المدينة ليجمعها مع الصورة. جزء من إشارة «قف» ولوحة الأرقام التابعة للمصاعد، وغيرهما.
في We Need To Talk، تختلط الأوراق. هي أرض فلسطين، أو أي أرض أخرى، يقول لنا حجيج. تاريخ البلدان يتشابه من الولايات المتحدة حتى جنوب أفريقيا. الكل كان يوماً أرضاً محتلة. كان يوماً فلسطين.
إنّ المينمالية التي يطرح عبرها حجيج أعماله العشرين في المعرض، تجتمع تفاصيلها لتقدم معاً طرحاً سياسياً ومعالجة فنية. أما خيار حجيج في العودة إلى مكونات الأرض الطبيعية دون البشر، فهو ربما لتجريد الصراع من وجهات النظر والانطلاق من المسلمات الأساسية: مياه، أرض، هواء. طرح يمشي باتجاه مختلف للصور الفوتوغرافية التي رافقت تلك القضية بالتحديد، من صور المجازر، إلى أطفال الحجارة، أو أيقوناتها مثل بورتريه ليلى خالد بالكوفية والسلاح. لماذا يتخذ حجيج ذاك الخيار اليوم؟ في المعنى الأشمل للطرح السياسي، هل استُنفدت الصورة المباشرة، وما عادت تأتي فعلها؟ فأصبح ملحاً اليوم البحث عن صورة جديدة، تطرح أسئلة مختلفة؟ أم أنّ الزمن الفني الذي نعيش فيه اليوم يفرض البحث عن لغة فنية مختلفة؟ اللافت هنا أنّ التجريد والمينمالية هما عادةً لغة خطاب السلطة الأقوى. وفي الحالة المذكورة، هي اللغة التي استعملتها وتستعملها «إسرائيل»: «هذه أرض الميعاد، هي حقنا. وأما الفلسطينيون فهم إرهابيون». بينما الخطاب الفلسطيني هو أكثر تعقيداً، وتفصيلاً، ومباشرة، بغية إثبات الحق المغتَصب. أليست الخطورة في تجريد التعقيدات ومحو التفاصيل، فيعجز العمل الفني السياسي عن بلوغ مشاهده، ويختفي الطرح؟