دمشق | لم يسبق لأي مشاهد أن لمح غسان بن جدو وهو يحاور فناناً. كرّس الإعلامي التونسي حضوره التلفزيوني على شكل مراسل شبه حربي يعرف كيف يقود تقارير إخبارية متجهمة، ويحلّل الأحداث السياسية الملتهبة، ويمسك خيوط الحوار عندما يكون ضيفه سياسياً أو زعيم حزب... مع ذلك، أصرّ بن جدو على أن يكون نجم السبق الذي حققته قناة «الميادين» عندما استضافت زياد الرحباني في لقاء خاص بث جزؤه الأول الجمعة الماضي، على أن يعرض الجزء الثاني ليلة الجمعة المقبلة.
في العودة لأرشيف لقاءات صاحب «فيلم أميركي طويل»، سنجد أنه ربما لم يسبق لمحاور أن تمكن من إنهاء حواره معه من دون دخوله في موجات ضحك. لكنّ بن جدو أطل على الشاشة كأنه اتخذ قراراً مسبقاً بكسر القاعدة، محاولاً أخذ زياد نحو أسلوبه الرسمي الذي يعتمد على الجمل الطويلة التي يلقيها بالعربية الفصحى بطريقة تتماشى مع مظهره الجاد. هكذا، أطل بن جدو وراح يلقي على مسامع مشاهديه خطباً عصماء تعرّف الجمهور بظاهرة فنية اسمها زياد الرحباني رغم أنّ السواد الأعظم من الجمهور يحفظ أغنياته ومقاطع من مسرحياته عن ظهر قلب. لذا، فقد بدا بن جدو كأنه يريد شرح الشمس في وضح النهار! ولا نعرف لماذا اختار أن يكون التقديم مجزأ بعد الأسئلة الأولى. بعد كل سؤال، كان يتلو خطبة جديدة بينما كان صاحب «أنا مش كافر» يراقب من دون أن تخفي عيناه الذهول من كلمات بن جدو كأنّ جيوش حرب البسوس قد انبعثت من التاريخ لتوها وبدأت بالزحف نحو الاستديو. بل إنّه في نهاية الحلقة، وفيما كان بن جدو غارقاً في مطولاته عن زياد، قاطعه الأخير قائلاً «الوقت يداهمنا». كانت هذه الجملة دلالة كافية على أنّ المحاور أخذ وقتاً في الكلام أكثر من ضيفه حتى صار المشاهد يتساءل «مَن يستضيف مَن»! بدا واضحاً غياب الانسجام بين المذيع وضيفه ليس على مستوى اللغة والأداء وطريقة مقاربة الأمور فحسب، بل أيضاً في الشكل العام لإدارة الحوار. كما هو معروف، يستطرد صاحب «نزل السرور» في الحديث عن أفكاره، لكنّ بن جدو كان يقاطعه ليطرح سؤالاً جديداً قبل أن يكون زياد قد أنهى حديثه. وحين تفوه الأخير باسم العماد جان قهوجي عند التحدّث عن ردع تجاوزات الإعلام في لبنان، كاد بن جدو يسقط مغشياً عليه لشدة الفرح بالتقاطه «سكوب». إلا أنّ ظل صاحب «بالنسبة لبكرا شو» ظل يبذل جهوداً حثيثة لإيضاح فكرته بضرورة وجود قانون واضح للإعلام منعاً للتجاوزات.
على الطرف المقابل، لم تخل الحلقة من تصريحات مثيرة للرحباني وموقفه الواضح من الإخوان المسلمين ووصولهم إلى الحكم في مصر فيما أرجأ الحديث عن سوريا والمقاومة إلى الجزء الثاني. كل ذلك أشعل صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وشكل فرصة ذهبية لمناضلي الفايسبوك كي يستلوا سيوف النقد ويمضوا قدماً في مسلسل الشتم الذي يتعرض له الرحباني منذ زمن بسبب مواقفه السياسية بعيد حرب تموز 2006. فيما ذهب آخرون إلى تذكّر حلقة «حوار العمر» التي أجرتها جيزيل خوري معه عام 1997 دليلاً على لقاء تاريخي لم ينسه الجمهور.
ربما كان أجدى لغسان بن جدو التروي قليلاً بشأن هذا اللقاء واختيار إعلامي من محطته يتصدى للضيف الاستثنائي، على أن يكون ذا ثقافة موسيقية تحميه من طرح أسئلة مغلوطة على شاكلة: صحيح أنك جلست أربع سنوات لتعيد توزيع «البنت الشلبية»؟ أجابه زياد: «لا شك في أنّك قرأت هذا الخبر على الفايسبوك»!



«في الميادين» الجزء الثاني: 21:30 مساء الجمعة المقبل على قناة «الميادين»