وقع الاختيار على لارا سابا (1979) لتفتتح باكورتها الروائية الطويلة «قصة ثواني» فعاليات «مهرجان بيروت الدولي للسينما» الذي ينطلق اليوم في «سينما أبراج» (س:7:00). منذ أفلامها الوثائقية الأولى، دأبت المخرجة اللبنانية على دخول أعماق الحقائق لكشف مستورها. نراها تعود الى بيروت بفيلم روائي بعدما حطت فيها من خلال فيلمها «بيروت الحقيقة ووجهات النظر» الذي حاز جائزة «مهرجان بروكسيل للأفلام الوثائقية».
لكن يبدو أنّ المخرجة أرادت من فيلمها الروائي الأول أن تترك بصمتها على الساحة، فاختارت السبيل الأصعب من خلال عمل ينتمي الى الدراما السوداء، إذ عمدت الى تكديس القصص المأساوية على نحو يستنزف المشاهد ويرهقه، لكنه سيخرج مشدوهاً لحجم الصفعة والشحنة العاطفية التي خلّفها الشريط في نفسه. هذا الأسلوب مغامرة كبرى لفيلم لبناني، ولا سيما أنّ الخط رفيع بين صياغة فيلم مؤثر وآخر ممل، لكن سابا عرفت الدواء فبنت قصتها (سيناريو نبال عرقجي) على ثلاث شخصيات مستقلة، بحيوات مستقلة، ومنحى زمني منفصل. لا يربط بين تلك الشخصيات سوى بيروت ومآسيها.

تلك المآسي التي تتكفّل كل واحدة بأسر المشاهد كأننا في ثلاثة أفلام ضمن عمل واحد. القصة الأولى تتحدث عن مروان (علاء حمّود) الذي يعيش مع والدته ويتعرض للاغتصاب من قبل عشيقها، فيما تقبض ثمن ما يرتكب، ثم هناك نور (غيدا نوري) التي تفقد عائلتها في حادث سير فتواجه الفقر المدقع، وصولاً الى انديا (كارول الحاج) التي تمتلك كل ما تريده في الحياة باستثناء الأمومة. غير أنّ الأحداث لا تسير في الفيلم على نحو يفكك العقد، بل تزداد اشتباكاً لتكتمل مأساة كل شخص باكتمال مأساة الآخر.
ليس سهلاً هذا النوع من الأفلام، فالمكتبة السينمائية العالمية حافلة بها لعلّ أفضلها ما يستطيع أن يحقق العلاقة العرضية بين الشخصيات المتباعدة بطريقة تعطي الفيلم بعض المنطق والنكهة، إضافة إلى البناء الدرامي لشخصياته. هذا ما رأيناه في فيلم «بابل» للمكسيكي أليخاندرو غونزاليس إيناريتو وبدرجة أقل وضوحاً «انفصال» للإيراني أصغر فرهادي.
لذا كنا نتوقع أن تشتغل سابا أكثر على الرابط بين الشخصيات الثلاث، لكنّها اكتفت بالمدينة والمأساة بوصفهما جامعين وحيدين للشخصيات، حتى إنّها استغنت عن فرصة تطوير العلاقة الظرفية التي نشأت بين مروان وانديا قبل نهاية الفيلم، فأرادتها عابرة لا أكثر، لكن ذلك الخيار عوضته المخرجة في بنائها لكل شخصيات الفيلم، وخصوصاً مروان ووالدته وانديا، فيما لم تبد شخصية نور ناضجة بما يكفي.
يؤخذ على المخرجة تركيزها على قصص الفيلم وإهمالها الجوانب الفنية، فلا لقطات فنية للكاميرا، ولا حيل تقنية تظهر حس الإبداع، ولا جهد فوق العادة يظهر تميزاً في التكنيك. غير أنّ التميز كان في منح الفيلم نكهة خاصة باشراك رمزي لبعض الوجوه المحببة لدى الجمهور من طوني أبو جودة الى ماريو باسيل وليلى حكيم، فضلاً عن إطلالة للمخرج بهيج حجيج، بدت كدعم معنوي للمخرجة الشابة.