طاولات صغيرة مطلية بالأحمر تفترش الساحة الجديدة خلف مبنى «ستاركو» التي أطلقت عليها «سوليدير» مجدداً اسم «زيتونة سكوير» بعد تجهيزها. قُلبت الطاولات ليلتصق بعضها ببعض وتكوّن معاً مكعبات، مختلفة الحجم والارتفاع. إنه التجهيز الجديد الذي تقدمه ندى صحناوي بعنوان «ضوء عند نهاية النفق». قد تكون صادفت سابقاً أحد أعمال الفنانة التي وزعت في الأماكن العامة في بيروت.
ربما وجدت حوالى ٢٠ طناً من الصحف المكدسة في أرض ساحة الدباس، قرب ساحة الشهداء في وسط البلد («أتذكر، كسور»، ٢٠٠٣). هكذا تلجأ صحناوي إلى استعمال غرض واحد في كل عمل من تجهيزاتها. في كل مرة يتكرر الغرض على نحو هوسي، ليكتسح مساحة العرض. وذاك التكرار يأتي ـ بحسب الفنانة ـ من طبيعة تاريخ لبنان، الذي لا يتوقف عن إعادة نفسه. ابنة الأشرفية التي كانت طالبة في إحدى مدارس منطقة فردان، انطلقت الحرب الأهلية بالنسبة إليها، يوم قال لها السائق إنّهم لن يستطيعوا الوصول إلى المدرسة اليوم بسبب القناصين الذين يسيطرون على طريق المتحف. يومها توقف الزمن، ودخل في التكرار.
عبر تجهيزاتها، تبحث صحناوي عن مساحة تأمل تفرضها على المدينة. «لو لم أفعل ذلك، لأصبحت مجنونة». إذاً، يكمن الطرح في خلق مساحة تأمل في وسط المدينة وساحاتها وفضاءاتها العامة، لكن فقدان تلك المساحات، دفع بصحناوي إلى إعلان مساحات بور خلّفتها الحرب مساحات عامةً، عبر عرض مشاريعها فيها وتمضية الوقت، والمسايرة، ورصد تفاعل المارة مع أشيائها المعروضة، فيجلسون عليها، أو يأخذون الصور بقربها.
الفارق أنّه للمرة الأولى لا يأتي فضاء العرض اليوم في مساحة مهجورة، لكنها الساحة الجديدة التي استحدثتها «سوليدير» بمقاعدها، ونوافير المياه، ورخامها الأسود... ما يتناسب نوعاً ما مع التجهيز الجديد الذي يحاول أن يسائل المساحات المفتوحة والمغلقة التي تتألف منها المدينة عبر المكعبات التي تتألف من الطاولات الحمراء. بشكلها وتوزيعها في المساحة واختلاف أحجامها وارتفاعاتها، تشبه تلك المكعبات الأبراج الشابقة في السماء قرب بعض البيوت القديمة... فكيف بالأحرى أن يقام العرض في المنطقة الواقعة تحت سيطرة «سوليدير»، التي لا تبعد كثيراً عن الأبراج الزجاجية التي تحجب البحر عن المدينة، وقرب حفريات «فينوس»، التي أثارت حولها ضجة بسبب تدمير الآثار هناك؟ تلك المكعبات تعكس تركيبة تلك المدينة الغوغائية. تجريد لم تلجأ إليه صحناوي في أعمالها السابقة ذات اللغة المباشرة، لكنه هنا يفتح مجالاً أوسع للقراءة والتأويل والتأمل. إلى جانب أعمال التجهيز، تعود صحناوي حالياً إلى الرسم بعدما تفرغت لمشاريعها في محترفها في منطقة مار مخايل. هكذا تتميز أعمال الفنانة، وخصوصاً التجهيزات بطروحات بسيطة تحاول خرق فضاءات المدينة، ومحاكاة سكانها لتدفعهم إلى التوقف لحظة والتأمل.



«ضوء عند نهاية النفق»: حتى 14 ت1 ـــ «زيتونة سكوير» (بيروت) ــ 71/357277