يبدو أنّ الجيش اللبناني أراد مخاطبة المواطنين باللغة التي يحبّونها، فلم يلجأ الى التصريحات الرسمية ولا الى البيانات التقليدية الصادرة عن قيادته ليقول موقفه من المرحلة الراهنة. هذه المرة، قرر استخدام لغة العصر: الحملات الإعلانية. في العاصمة وضواحيها وصولاً الى بعض المناطق الحدودية، ولا سيما في البقاع، لاحظ المواطنون حملة اعلانية مركزة للجيش تضم تصميمين: الأول يظهر جندياً في موقع يشرف على الأراضي داخل الوطن، والثاني يصوّر يداً تقبض على الشريط الحدودي الشائك، مع عبارة موحدة تتصدر الإعلانين لتختصر الرسالة: «في القلب وعلى الحدود».
توقيت الحملة يؤكد أنّ هدفها ليس عبثياً، وبالتالي ليست كأي من الحملات العادية التي يقوم بها الجيش لتحقيق التواصل مع المجتمع. هي غريبة التوقيت، إذ جاءت بعد أسبوعين فقط على حملة سابقة نفذت في مناسبة عيد الجيش، وحملت شعارات من نوع «السترة الواقية» و«واثق الخطوة يحمي الوطن». ما يطرح تساؤلاً عن الرسالة التي يود الجيش إيصالها في هذه المرحلة «الميتة» بالذات بين المناسبتين الأساسيتين اللتين يحتفل بهما: عيده وعيد الاستقلال.
السر يكمن في العنوان: «في القلب وعلى الحدود». في القلب، أراد الجيش تمرير رسالة حاسمة. القلب هنا لا يقصد به الدعم الشعبي فقط، على غرار الحملة التي قام بها قبل سنوات تحت عنوان «في القلب يا وطن»، بل المقصود أيضاً أنّه لا مناطق أمنية محظورة على الجيش في قلب الوطن، وهو ما يثبته تزامن الحملة مع حملات الدهم والتوقيف التي قام بها في أكثر من منطقة لبنانية، ولا سيما في الضاحية الجنوبية. ما مثل انجازاً للجيش، الذي اتهم بعدم جديته في وضع حد لانفلات أمني بدت الدولة عاجزة أمامه. والمفارقة أنّ احدى اللوحات الإعلانية وضعت على بعد أمتار من مدخل حي المقداد في الضاحية، هناك حيث تمادى الجناح العسكري في إذلال الدولة قبل أن يستعيد العسكر الحقيقي هيبته من الحي نفسه. وإن كان القلب يستهدف مناطق نفود الثامن من آذار، فإن الجزء الثاني من العبارة «على الحدود»، هو للرد الواضح على الأصوات المشككة في دور الجيش اللبناني، التي تريده أن يكون شاهد زور على تهريب السلاح والمقاتلين في الشمال والبقاع، كما تحمل رداً على المطالبين بنشر القوات الدولية على الحدود مع سوريا. نلاحظ أنّ اللوحات الإعلانية تنتشر بكثافة في البقاعين الأوسط والغربي، وعلى طول الطريق الدولية، وما لبثنا أن شاهدنا مداهمات في تلك المناطق استطاع من خلالها الجيش أن يوقف مطلوبين ظنوا أن النأي بالنفس يشمل الجيش أيضاً، لكن حسم الجيش لا لبس فيه: الأمر لي وحدي في القلب وعلى
الحدود.
الجيش اللبناني «يلعبها ذكية»، ويحدّث الأطراف السياسية باللغة التي لطالما استخدموها، فالإعلانات ليست سلاحاً يقتصر على ١٤ و ٨ آذار، بل إنّ لجماعة الأول من آب سلاحهم الإعلامي أيضاً، الذي بدلاً من أن يجيّش الناس يحميهم بجيشهم.