شهدت الجلسة الختامية لندوة «الحقوق الثقافية في الدستور الجديد» في تونس تجاذباً بين أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، وخصوصاً المخرجة سلمى بكار والشاعر مراد العمدوني من جهة، ورئيس لجنة صياغة الدستور عن حركة «النهضة» الحبيب خضر من جهة أخرى.
اتهم النائبان سلمى بكار من الكتلة الديموقراطية عن حزب «المسار الاجتماعي الديموقراطي» ومراد العمدوني عن «حركة الشعب» ممثل حركة «النهضة» بمحاولة إمرار صياغة لم يتم التوافق حولها. ويطالب المثقفون التونسيون بضرورة تضمّن الدستور الجديد بنداً يضمن الحقوق الثقافية، وخصوصاً حرية الإبداع والتعبير. ويعتبرون أنّ سنّ فصل يجرم المقدسات في الدستور سيقود البلاد الى محاكم التفتيش وسيكون المدخل الذي ستصادر به حرية الإبداع. هذه الندوة افتتحها وزير الثقافة المهدي مبروك (مستقل ــ الصورة)، مشدداً على أنّ السلفيين استضعفوا الدولة وحاولوا فرض آرائهم بالقوة على الشعب التونسي عبر إلغاء السهرات الموسيقية ومنع العروض المسرحية. واعتبر أنّ محاولات السلفيين فرض آرائهم ستفشل لأنّ تونس ذات رصيد ثقافي تنويري لن تقدر المجموعات السلفية على تقويضه أو مصادرته. ونظر إلى الظاهرة السلفية بوصفها سحابة عابرة لأنّها «بلا جذور في التاريخ التونسي الذي كان منتصراً دائماً للتنوير»، وما امتلاك تونس لأكبر مجموعة فسيفساء في العالم إلا دليل على الإرث التنويري والحداثي الذي تملكه منذ أقدم العصور، وهو الإرث الذي تستهدفه اليوم المجموعات السلفية التي ستفشل في مسعاها كما قال الوزير. هذه الندوة، التي دعت إليها وزارة الثقافة، تندرج ضمن مسار ثقافي وسياسي احتدّ فيه الجدل حول الحقوق الثقافية المرتبطة بالحريات، سواء كانت حرية التعبير أو الإبداع أو الحرية الشخصية، وكلّها مستهدفة في إطار حرب مفتوحة على نمط العيش التونسي. وتنظم الجمعيات والمنظمات التونسية في مختلف البلاد ندوات ومبادرات من أجل التوعية على أهمية تضمين الحقوق الثقافية في الدستور باعتبارها الضامن الوحيد لمدنية الدولة والنظام الجمهوري.
الصراع في تونس اليوم يبدو في ظاهره سياسياً، لكن في عمقه الحقيقي ومضمونه هو صراع ثقافي بالأساس بين المبدعين والمثقفين والإعلاميين المتمسكين بالحرية وبين المجموعات المنتمية والقريبة من أقوى أحزاب الائتلاف الحاكم ومجال الصراع الأساسي هو الدستور.