في الحديث عن الصراع الذي ينشأ في نفس الفنان بين التزامه بمبادئ سياسية معينة و«الواجب» المهني الذي يملي عليه أموراً قد لا يكون مقتنعاً بها، تبدأ التساؤلات تثار في أذهان الرأي العام حول كيفية التوفيق بين الأمرين. من هنا كان لا بد من التوقف عند تجربة الشاعر نزار فرنسيس الذي كما قدّم للحب أعذب كلماته، كذلك كان متميزاً في الأعمال الملتزمة التي قدّمها عن القضايا الوطنية، أبرزها فلسطين والمقاومة اللبنانية المتمثلة في «حزب الله»، التي جسدها عبر كلمات ثورية.
مَن منّا لا يذكر مثلاً «زرع التحرير» (2000) التي غناها معين شريف أو «السلاح زينة الرجال» وغيرهما من قصائد واكبت 20 عاماً من العمل النضالي المقاوم؟ لكن قبل أشهر قليلة، خاض فرنسيس تجربة كتابة أغنيات ثورية لحزب... «القوات اللبنانية». قدّم عملين هما «وسع الساحات» (ألحان وسام الأمير وغناء ميشال رميج) التي كان يُفترض أن تذاع في الاحتفال الأخير للحزب في أيلول (سبتمبر) الماضي، وأغنية «قوات السما» (ألحان سمير صفير وغناء ميرنا شاكر). يعلل فرنسيس هذه التجربة التي قد يجد فيها بعضهم تناقضاً في التوجه والإيديولوجيا مقارنة بما قدمه سابقاً، بالقول إنه يكنّ «كل الاحترام لكل شهيد غال على قلب أمه سقط أثناء الحرب الأهلية، لأنه آمن باقتناعاته»، مع استدراكه لمفهوم الشهيد الذي يسقط عندما يقاوم إسرائيل، «فهؤلاء برأيه دفعوا أرواحهم فداءً عن كل لبنان، و«القوات» ليست ببعيدة عن التقدير لهذه التضحيات بما أنّ المنطق يقول إنّ إسرائيل هي العدو» .
شاعر «الحب» يؤكد لـ«الأخبار» أن ليس لديه مشكلة في الكتابة لأي طرف من الأطراف اللبنانية، فالعمل الفني الإبداعي لا «علاقة له بالمبادئ التي يحتفظ بها أصحابها لأنفسهم». ولأنّ «الكرم والعطاء هما أرقى أنواع الرجولة»، لا يبخل فرنسيس على أحد بتقديم عمل يطلب منه. وفي ظل الانقسامات السياسية الداخلية وتشرذم الجمهور معها، يعلّق بأنّ الجمهور غير منقسم فنياً، بل يحب دوماً التمتع بأعماله، لأنه شخصياً لا ينطلق من موقف سياسي محدد، فهو «فنان لجميع الناس». وكما قدم لـ«القوات اللبنانية» كذلك لـ«المردة» ولـ«التيار الوطني الحر» .
الأغنيتان الجديدتان ستشكلان باكورة أغنيات أخرى ستجمع في أسطوانة تطرح في السوق للـ«القوات». وكان اللافت في «مساهمات» فرنسيس أغنية بثّت في مناسبة الاحتفال بذكرى تولّي بشير الجميّل الرئاسة في آب (أغسطس). تحمل الأغنية عنوان «بشير» (ألحان رواد رعد) وتقول كلماتها: «بعدو حلمك عايش فينا... بعدك عنوان التغيير/ بعدو نصرك بنادينا... مهما يصير اللي بدو يصير/ لا منهادن ولا منساوم... يا معلّمنا كيف نقاوم/ صرخة حق بوجه الظالم... والصرخة اسمها بشير».
ويبقى السؤال حول مفهومي الواجب المهني والالتزام الفني يشغل بال المستمعين. فهل يجمع الفنان ما فرّقته السياسة والعقيدة؟ أم أنّ المفاهيم المتضاربة والمتناقضة للقضية عينها من قبل حامليها وكتّابها ستترسخ انقساماً وتشرذماً أكثر فأكثر في صفوف اللبنانيين؟