«فنون» القتل والتنكيل بالصحافيين السوريين وصلت إلى حدود لا يصدّقها عقل، بغضّ النظر عن موقعهم وانتمائهم سياسياً إلى أحد طرفي النزاع. آخر فصول هذا المسلسل ما تعرّض له أمجد طعمة (1971)، أحد أشهر إعلاميي التلفزيون السوري. رغم أنّه لم يسبق له أن خاض لعبة السياسة ولم يقترب طوال مشواره المهني من أي أخبار سياسية، إلا أنّ حالة العماء والسعار لم توفره ولم توفر زملاء قبله. الإعلامي السوري اختار خطاً لمهنته يتوازى مع نشاطه الطويل في المسرح الجامعي، وقدم مجموعة من البرامج الحوارية واستضاف كبار النجوم السوريين، وقارب مشاكل الشباب في برنامج «جيلنا»، وفتح ملفات الفساد في الجامعات، إضافة إلى توليه إعداد وتقديم أكثر من برنامج على إذاعة «صوت الشباب» الحكومية، وهي من أكثر الإذاعات استماعاً في سوريا. مع ذلك، طاولت التهديدات صاحب «هنا دمشق»، فما كان منه إلا أن هجر منزله في حيّ برزة الذي يشهد اشتباكات حامية بين الجيشين النظامي والحرّ، ولم يعد إليه إلا منذ أيام حين قرر المرور للاطمئنان إلى منزله وجلب بعض أغراضه الشخصية، وكان برفقة ابنه الرضيع وزوجته.
لكن هناك، فوجئ بمجموعة من المسلحين حاولوا خطف العائلة ثم اكتفوا بأخذ المذيع السوري مع سيارته لمدة أربع ساعات تعرض فيها للتحقيق، قبل أن يطاوله الضرب المبرح، ثم أطلق سراحه مع سيارته ليتولى بعدها التلفزيون السوري موضوع علاجه.
«الأخبار» اتصلت بأمجد طعمة، فأجابت زوجته لتطمئننا إلى أنّه بخير وقد غادر المستشفى. لكن بعد دقائق، عاود طعمة الاتصال بـ«الأخبار» وبدا صوته متعباً، لكنّه صرّح: «تعرضت للضرب المبرح من مجموعة مسلحة حاولت خطف عائلتي ثم اكتفت بخطفي لساعات محدودة. ولحسن الحظ، من تولى التحقيق معي كانوا شباباً يتابعون التلفزيون، ويعرفون أنني مع الحوار في كل شيء وضد العنف، فكان قرارهم إخلاء سبيلي. كنت أصلّي كل الوقت من دون أن أعي بالكامل لما يجري من حولي». وأضاف مذيع «جيلنا» أنّه عندما يتماثل للشفاء، سينشر بياناً صحافياً عبر صفحته على فايسبوك، شارحاً فيه كل الملابسات الدقيقة لما حصل، وختم اتصاله بتوجيه الشكر إلى كلّ من اتصل به واطمئن إليه.
من جانب آخر، تبدو الانتهاكات العنيفة الحاصلة في حق الإعلاميين السوريين والمؤسسات الرسمية حلقات متتالية في مسلسل يهدف إلى زرع الرعب في نفوس كل مَن يمتّ للإعلام الرسمي بصلة. وقد وصلت هذه الانتهاكات إلى الحيّز الافتراضي بطريقة ممنهجة. هكذا ظهرت على الفايسبوك صفحة خاصة تطلق على نفسها اسم «تنسيقية التلفزيون السوري» ممهورة بجملة «معاً نحو استعادة الإعلام الوطني»، وقد سجلت نحو 3000 معجب، رغم أنّ غالبية التعليقات المنشورة تتولى مهمة التحريض على العاملين في التلفزيون السوري، لا كإعلاميين فقط، بل تطاول حتى الموظفين الإداريين. ولا تتوانى الصفحة عن نشر أخبار الاشتباكات مع حرس مبنى التلفزيون، وآخر أخبار المذيعين وأماكن وجودهم أو إقامتهم. وبينما تنتقد بعض التعليقات سياسة المديرين، لا توفر السخرية المنابر الإعلامية الجديدة التي افتتحتها «الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون» كإذاعة «سوريانا» ومحطة «التلاقي». وقد نال الإعلامي المتميز ماهر الخولي حصة الأسد من التهجّم في هذه الصفحة بسبب قبوله منصب مدير محطة «التلاقي» الحديثة الولادة. وتتولى الصفحة نشر بعض المقاطع المصوّرة التي سبق لكاميرات التلفزيون السوري تصويرها، ولم تبث على الشاشة السورية. واللافت أنّها وضعت على الصفحة بجودة عالية! فيما تذهب صفحات مرادفة لهذه الصفحة إلى نشر «صور وجوه الكذب» كما سمّتها، ناشرةً اسم كل إعلامي حكومي مع «التهمة» التي وجّهتها إليه، كالتحريض على الدم السوري والتضليل. تهمة التشبيح كانت الأكثر تداولاً على هذه الصفحة، لاحقت غالبية المذيعات والإعلاميات اللواتي عملن في التلفزيون السوري لمدة طويلة ويشهد لبعضهن بالمهنية العالية والبقاء في مكان معتدل رغم عملهن في المؤسسات الإعلامية الرسمية. ومن بين من لاحقتهن هذه التهمة الإعلامية رنا ديب، ومديرة «المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني» ديانا جبور، فيما تضع الصفحة إشارات واضحة ودوائر حول صور الأشخاص الذين تهاجمهم. هكذا، يسجّل الموقع الأزرق حضوره البليغ في خطوة تشكل معادلاً لغرفة العمليات ضد الإعلاميين السوريين الذين تطاولهم يد الاعتداء والتصفية... ومن المؤكد أنّ الآتي أعظم.



تمخضت الحرب... عن قمر

بعدما قوبلت الفضائيات الإخبارية السورية بحرب عربية شعواء أطاحتها وأوقفت بثها عن القمرين «عربسات» و«نايلسات» (الأخبار 6/9/2012)، كان وزير الإعلام السوري السابق عدنان محمود (الصورة) قد صرّح في حوار مع «الأخبار» بأن الوزارة مستعدة لكل الاحتمالات. وها هي أحاديث تدور حالياً في أروقة وزارة الإعلام السورية ومبنى «الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون» عن إيجاد حلول بديلة؛ إذ تردد أنّه يجري العمل على قدم وساق لإطلاق قمر صناعي سوري تتمكن من خلاله كل المحطات السورية من البث إلى الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط.