القاهرة | في معرض «الفيروس ينتشر» الذي يقدّمه في قاعة «سفر خان» في الزمالك، يكسر جنزير الرصانة الكلاسيكية التي تميزت بها القاعة في الرهان على الأسماء الرائجة والمستقرة في السوق. يطرح معرض فنان الغرافيتي الشاب (1982) سؤالين كبيرين: إلى أي مدى يبدو فنّ الغرافيتي الزائل قابلاً للاقتناء؟ وإلى مدى يستجيب فن الاحتجاج هذا لشروط العرض التجاري في صالات فخمة، هو الآتي من صخب الشوارع؟
بسبب وعيه لجدية السؤالين، احتفظ الفنان بثوريته في الطبقة الأولى من القاعة، مراهناً على تقديم حالة أقرب إلى فنون التجهيز، تجاور رسومات تحمل سمات جداريات الشوارع والـ«موتيفات» المباشرة الآتية من حرارة الراهن المصري وشعارات ثورته المتعثرة. في هذه الأعمال، استخدم الفنان خامات الـ«سبراي» وألوان الرش مع الباستيل الزيتي، ووضعَ برميل بارود على وشك الاشتعال احتوى سطحه على علب كبريت، في إشارة دالة إلى واقع الحال في مصر.
وفي مقابل هذا التمرّد، تبدو لوحات الطبقة الثانية قليلة العدد ذات ذوق كلاسيكي، لكن لا يمكن وصفها بالمحافظة. رسمَ جنزير ـــ أو «موفا» كما يلقّبه الأصدقاء ـــ لوحات «حروفية» تظهر حرفيته العالية الى جانب إمكانات الحرف العربي وجمالياته وقابليته للتشكيل، وجاورها بلوحات ذات طابع ما بعد حداثي، وأبرزها لوحة لفتاة مصرية تبدو كأنها تقدم محاكاة ساخرة لنموذجين راسخين في المخيلة المصرية: الأول صنعته لوحة «بنات بحري» للفنان الرائد محمود سعيد، والثاني نموذج لوحات الصالونات. لكن بأدواته المتمكنة التي تؤكد هضمه لمدارس الفن المصري، كسر جنزير برود هذا النموذج بإبراز اسكتش لدبّ «باندا» في خلفية اللوحة المرسومة بألوان الاكريليك.
يرى جنزير أنّ معرضه يبشّر بإمكان صنع ثورة في ذوق أصحاب صالات العرض غير بعيدة عن الثورة التي صنعها الغرافيتي في وعي المصريين العاديين. يعترف بأنّه عندما قبل العرض في «سفر خان»، كان يعرف أنه يغامر بنموذج الغرافيتي الذي قدّمه في الشارع. وبالتالي، فالمعروض لا يمكن قراءته كـ«فن شارع». لكن الوقت حان كما يقول «لتقديم فن مختلف» في القاعات، وعلى الزبائن والفنانين اختبار قدرتهم على التحدي وطرح سؤال: هل ينبغي للوحات المقتناة أن تكون كلاسيكية؟ يجيب جنزير بأنّ عهد اقتناء لوحات الطبيعة الصامتة قد انتهى. لذلك، فالمعرض يحدث صدمة في ذائقة المتلقي الذي استقر وعيه عند محطات محددة. والهدف من التجاور هنا هو إحداث صدمة أو تفاعل بين نوعين من العلامات البصرية يخوضان صراعاً فعلياً خارج القاعة. الأول يمثله فن قائم على نبض الشارع، والثاني تقليدي ارتاح لصرامة التقاليد ووضعه جنزير في الطبقة العليا، في إشارة ربما إلى طابعه المنعزل عن الناس، كاشفاً أنّها لوحات خالية من رسالة وإن لم تخل من جماليات وتقنيات في الصنعة. وبينما تحفل لوحات الطبقة الأولى بعلامات للشيخ السلفي عبد المنعم الشحات ونماذج من طبقة العسكر الذين أطلقوا النار على الثورة، لا يرغب جنزير في تحرير رموز جدارياته من دلالاتها المباشرة. يؤكد رغبته في تأكيد حضورها في المخيلة العامة لخدمة رسالة الفن الزائل أو فن الغرافيتي الذي يظل مرتبطاً بقضايا المجتمع. كما أنّ على المدينة أن تتحول الى قاعة عرض مفتوحة للفن من دون شروط. وإذا كانت الثورة كما يقول جنزير قد انتهت بالنجاح أو الفشل، فإنّ قضايا الناس لن تنتهي، وبالتالي «فدورنا مستمر خارج القاعات وداخلها».

«الفيروس ينتشر»: حتى الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) ـــ قاعة «سفر خان» (الزمالك ـــ القاهرة) ــ للاستعلام: +20227353314
www.safarkhan.com



متمرّد على «النظام»

قبل حوالى عام، ألقت الشرطة العسكرية القبض على جنزير بتهمة تصميم ملصقات تندد بالحكم العسكري. لم يكن ذلك النشاط سوى محطة في مسيرة الرسام والمصمم الشاب (محمد فهمي) الذي سطع نجمه خلال ثورة «25 يناير». يومها، انتشر في «ميدان التحرير» دليل للثورة حمل عنوان «كيف تثور بحداءة ـــ معلومات وتكتيكات هامة» قدّم فيه جنزير توجيهاته الفكاهية للثوار عن كيفية مواجهة البلطجيّة، ورجال حفظ النظام، والقنابل المسيّلة للدموع. أنجز جنزير أيضاً جداريات تضمّ سلسلة رسوم لوجوه ضخمة باسمة للشهداء الذين سقطوا أثناء انتفاضة الغضب المصريّة.