باريس | لم يسبق أن أثارت «جائزة ساخاروف للحرية الفكرية» التي يمنحها البرلمان الأوروبي سنوياً لـ«مكافأة الشخصيات الثقافية والفنية الأكثر جسارة في تحدي الاستبداد والتطرف والقمع»، جدلاً كالذي أُثير عند منحها الجمعة الماضي مناصفةً للسينمائي الإيراني جعفر بناهي (الصورة) ومواطنته المحامية والناشطة الحقوقية نسرين ستوده. لا شك في أنّ بناهي وستوده يستحقان هذه الجائزة العريقة التي تُوصف بأنها «المعادل الأوروبي لجائزة نوبل للسلام». صاحب «الدم والذهب» يواجه بشجاعة مشهودة قمع نظام الملالي. وكان قد رفض مغادرة بلاده رغم الحكم عليه في كانون الأول (ديسمبر) 2010 بستّ سنوات من الإقامة الجبرية، بالإضافة إلى منعه من ممارسة العمل السينمائي لمدة عشرين عاماً. إلا أنّ ذلك لم يمنعه من إنجاز فيلم باهر عن وقائع إقامته الجبرية عُرض في «مهرجان كان 2011». وإمعاناً في مشاكسة الرقابة الإيرانية، سمّاه «هذا ليس فيلماً»! أما نسرين ستوده، فبرزت محاميةً وناشطةً في مجال حقوق الإنسان، خلال الانتفاضة الشبابية الإيرانية عام 2009.
وحُكم عليها هي الأخرى بالسجن 11 سنة، بالإضافة إلى منعها من العمل في المحاماة لمدة 20 عاماً. وكان الجدل قد بدأ قبل ساعات من الإعلان الرسمي للفائزين بالجائزة هذا العام؛ إذ شجب العديد من نواب البرلمان الأوروبي الضغوط التي مارستها تيارات المحافظين الكاثوليك لقطع الطريق أمام منح الجائزة إلى فرقة «بوسي رايوت» الروسية التي حُكم على عضواتها الثلاث بالسجن سنتين مع الأشغال الشاقة (الأخبار 25/8/2012). لم يكن هذا السبب الوحيد للجدل. رافقت إعلان فوز بناهي وستوده بالجائزة تصريحات مغالية لرئيس البرلمان الأوروبي، مارتن شولتز، عدّها العديد من النواب الأوروبيين «تسييساً غير معهود للجائزة». قال شولتز إنّ مكافأة بناهي وستوده جاءت «تعبيراً عن إعجابنا بامرأة ورجل يقاومان الترهيب المسلّط على جميع الإيرانيين». وتابع قائلاً: «إنّ هذه الجائزة تعني بكل وضوح قول «لا» للنظام الإيراني الذي لا يحترم أيّاً من الحريات الأساسية».
ورداً على هذه التصريحات، ألغت السلطات الإيرانية زيارة كان مقرراً أن يقوم بها لطهران فريق عمل يضم خمسة نواب أوروبيين من تيارات اليسار والخُضر. وكان مقرراً أن يلتقي هؤلاء النواب عدداً من رموز المعارضة والمجتمع المدني من بينهم جعفر بناهي.