هل فعلاً Skyfall هو الفيلم النسخة الأفضل من سلسلة جيمس بوند منذ مدة طويلة؟ هذه هي الصورة التي تسعى حملة الترويج للشريط الى تسويقها، فيدخل المشاهد الى الصالة مأخوذاً بوهج العمل الذي كلّف إنتاجه 150 مليون دولار ذهب ريعها إلى حملة تسويقه. أما النتيجة فهي اعتراف جديد بأنّ سلسلة الأفلام التي انطلقت قبل 50 عاماً لا تزال قادرة على إبهار المشاهد وكسب اعجابه... رغم أنّ ما شاهدناه أخيراً بعيد عن صورة جيمس بوند كما اعتدناها في الأفلام السابقة.
العميل السري «007» (دانيال كريغ) يعود اليوم في مؤامرة من نوع جديد تستهدف مركز الاستخبارات البريطانية MI6 ومديرة العمليات «أم» (جودي دينش) بعد سرقة لائحة بأسماء جميع العملاء السريين حول العالم والبدء بفضحها. يعود جيمس بوند إلى الخدمة في محاولة لإنقاذ الوكالة التي تواجه حرباً سياسية بالإضافة الى استهدافها أمنياً.
لكن أبرز ما في هذه النسخة هو منح القيمة الدرامية أهمية أكبر من المعتاد ولو كان ذلك على حساب القيمة البوليسية التي اعتدناها في السلسلة ومعها الإبداع في الابتكار، فلا سيارات خارقة ولا أسلحة ثورية ولا مهمات شبه مستحيلة. لقد ركّز الشريط على العلاقة الانسانية بين جيمس بوند و«أم» التي يتم استهدافها، فتظهر للمرة الأولى في دور المرأة الضعيفة العاجزة عن الإمساك بزمام الأمور. كما تبرز كشخصية متناقضة مثيرة للجدل، فمرة نراها تضحي بعملائها وتؤذيهم من أجل المصلحة العليا، ومرة نجدها تتعلق بهم بشكل عاطفي غير مهني، ما جعل شخصيتها أقرب الى الواقعية، وقرّب الجمهور منها بعدما بقي دورها لسنوات طويلة منحصراً بصورة المرأة القاسية. ويأتي ذلك في تمهيد درامي لإسقاط دورها في أفلام السلسلة مستقبلاً واستبدالها بشخصية غاريث مالوري (رالف فينس) الذي لعب دور «أم» في نهاية الشريط بعد موت جودي دينش. مع العلم أنّ «أم» ليس اسماً بل لقب لمدير العمليات. وهكذا لن يكون دانيال كريغ الغائب الوحيد في أفلام جيمس بوند المقبلة بل سترافقه جودي دينش أيضاً.
في المقابل، أعادنا الفيلم الى الصراع الكلاسيكي بين البطل والشرير، بعد توقف دام نسخاً عدة، فنعود الى المطاردة بين بوند والبوليسي راوول سيلفا (خافيير بارديم) العميل المنشق الذي يود الانتقام من الوكالة ومديرتها بعدما تم التخلي عنه، فنعيش الصراع الاستثنائي الذي يضفي على القصة صراعاً شخصياً يمنحه نكهة جديدة، خصوصاً أنّ بارديم قدم أداء رائعاً أسهم أيضاً في صقل أداء كريغ الذي قدم أفضل أداء له في السلسلة التي شارك في ثلاثة من أفلامها.
المشكلة في Skyfall هي التشعبات الكثيرة للشخصيات التي تظهر في الفيلم من دون قيمة تذكر ومنها شخصية «إيف مانيبيني» التي تلعب دورها نعومي هاريس. جاء دورها هامشياً جداً كأنّ كتّاب السلسلة (نيل بورفيس، روبرت ويد، جون لوغان) أرادوا احياء شخصية Miss Moneypenny الاثيرة على قلب مخترع السلسلة البريطاني ايان فليمينغ (1908 ـــ 1964) بعدما غابت في الفيلمين الأخيرين. وكذلك الأمر بالنسبة الى كيو (مدير عمليات الأبحاث والتعقب) حيث اختير الممثل الشاب بين ويشاو للعب دوره في كسر لنمطية الشخصية الذكية والجدية، لكنّ الدور جاء ثانوياً أيضاً، فضلاً عن الكثير من التشعبات في القصة التي تستكمل بطريقة عرضية وتبدو في بداية الفيلم القضية الأساس كحدث اغتيال إحدى الشخصيات الهامة في شانغهاي من دون أن يدخل الحدث في السيرورة الدرامية.
حتى لحظة كتابة هذه السطور، كان Skyfall بعيداً 50 مليون دولار عن كلفة انتاجه. لكن الإقبال الكثيف عليه حول العالم يشير الى أنّه سيتخطى كلفته قريباً. الشريط شُغل بأسلوب فني رائع، فالمخرج البريطاني سام منديز أراد أن يثبت أنّه جدير بتولي أفلام السلسلة الأشهر في تاريخ السينما، لذا رأينا قيمة اخراجية تردم الثغرات في الحبكة وتقلص الإبداع في العقد الدرامية. وإذا لم يكن «سكايفال» أفضل أفلام سلسلة بوند (وهو حتماً ليس كذلك)، فهو على الأقل حافظ على الجودة المتوقعة منه.

Skyfall: صالات «أمبير» (01/616600) و «بلانيت» (01/292192 ـــ 06/442471) و«غراند سينما» (01/209109)