في محاولته الدؤوبة لكسر الشرود الذي يعتريه، يحاول سائق التاكسي عبثاً التركيز مع مراسل إحدى القنوات التلفزيونية ومواكبته عبر تفعيل مخيلته، علّها تسعفه في تكوين صورة قريبة من تلك التي يحاول المراسل تقديمها له وشرح تفاصيلها. هذا ما يحصل يومياً مع النقل المباشر للنشرات الإخبارية المتلفزة عبر الإذاعة، فكل وسيلة مرئية تواكبها إحدى الإذاعات، وأغلبها يقع ضمن ما يعرف بالتكتلات الإعلامية والاقتصادية التي تضم بين صفوفها: الصحيفة، التلفزيون، الإذاعة والمواقع الإلكترونية.
وبطبيعة الحال هي لا تخرج عن نسيج سياسي واقتصادي مرسوم له مسبقاً: «الجديد» (إذاعة «الجديد» ــ 90.3)، lbci (لبنان الحر)، Mtv (صوت لبنان)، «المستقبل» (الشرق)، «تلفزيون لبنان» (الإذاعة اللبنانية)، «المنار» (النور)، nbn (الرسالة). لكن كيف نسمع نشرة متلفزة؟ وهل هذا يندرج ضمن الإطار المهني؟ ولماذا تلجأ إليه القنوات التلفزيونية ولأي غرض؟
يقسّم أستاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية علي رمال النقل الذي يتم للنشرة المتلفزة عبر الإذاعة الى شقين: مهني «غير ناجح وغير مقبول» بما أنّ الصورة هي الأساس التي ترافق النص وتشرحه عبر شتى الوسائل الإيضاحية، وخصوصاً خلال الأحداث عندما يضطر المراسل إلى تبيان الواقعة والدلالة عليها والتجوال مع الكاميرا في أرض الحدث. والشق الثاني اقتصادي عبر ما يعرف بـ Holding (تكتل تلفزيون/ صحيفة/ إذاعة) الذي يحرص دوماً على الإمساك بالمتلقي في كل الأوقات وتغذية أفكاره وضمان ولائه. ويعرّج على ما كان يحصل في الأمس عندما كانت فترة الاستماع على المذياع تضعف، وخصوصاً عند السادسة مساء، فيصار الى الاتكاء على نشرة التلفزيون المسائية التي تؤمن تغطية تمتد لأكثر من ساعة. واليوم، يكمل التلفزيون الدور بتغطيته لفترة 24 ساعة.
إذاً، الإمساك بالمتلقي أكان مستمعاً أم مشاهداً أم حتى قارئاً للصحيفة مع تحقيق الاستراتيجية الاقتصادية الإعلامية هو الهدف المبتغى من هذا النقل المباشر. وللبنان، بطبيعة الحال خصوصيته بما أنه مجتمع مسيّس بامتياز ووسائل الإعلام هذه تريد «محاصرته» عملياً لتحقيق عملية الثقة بينها وبين «زبونها» وتزويده حتماً بعملية الإشباع السياسي.
في النقل الذي يتم إذاعياً، تخسر نشرة الأخبار المتلفزة 90% من قيمتها الأصلية. الكاميرا وحدها هي العاكسة لصور الواقع وهي الحكم والخبر، وهذا أيضاً ينطبق على مفردات التعبير التي لا تكون نفسها في الوسيلتين. بحسب رمال، فاللغة المستخدمة مرئياً لا يمكن التعويض عنها إذاعياً، وخصوصاً في الانطباعات التي يعبّر عنها المراسل وأهمية تواصله مع المشاهدين وإيصال هذه الانطباعات إليهم عبر حركات الجسد والوجه، مستذكراً زمن «تلفزيون لبنان» الذي تخرّج أغلب جيله من «الإذاعة اللبنانية» ومارس خبرته الإذاعية على الهواء، بخلاف ما يحصل اليوم من تبادل في الأدوار.
كثيراً ما يبعث العالم المرئي علاقة شخصية عاطفية بين المراسل والمشاهد قد تتطور الى حدود الودية والثقة أو خلافهما. لكنّ الأكيد أنّ شكل المراسل واتصاله المباشر بالمتلقي لهما التأثير الأكبر عليه، وخصوصاً في التغطيات التي تحمل طابعاً درامياً. ومن الطبيعي أن يغيب كل ذلك عن النشرة المنقولة إذاعياً. هذا إن لم نتحدث عن بثّ تقرير يحتاج الى ترجمة، وحدها العين كفيلة بفهمه. أما المستمع، فمن الطبيعي أن يكمل شروده الذي بدأه في أول النشرة!