... في الجاز أيضاً، يستعيد العالم ذكرى عازف الكونترباص الأميركي العملاق راي براون (1926 ــ 2002) في مناسبة مرور عشر سنوات على رحيله. في الواقع، إنّ المساحة التي نرصدها هنا للكلام عن براون لا تكفي لتحية لائقة للرجل الذي عاش حياة صاخبة وعرفت مسيرته نشاطاً قل نظيره كماً ونوعاً في عالم الجاز. كذلك، نعرف أننا لن نقدِّم في هذه السطور جديداً يفيد جمهور الجاز الذي يعرف براون جيداً، كإحدى أبرز الشخصيات في هذا النمط أو كعازف كونترباص يحتل ــ بأقل تقدير ــ إحدى المراتب الخمس الأُوَل في ترتيب عازفي هذه الآلة، في الجاز وغيره.
هكذا، نتوجّه هنا إلى من لا يعرفه من الجمهور، علّ هذه التحية تثير فضول محبي الموسيقى عموماً أو الراغبين في دخول نادي مستمعي الجاز. ولد راي براون عام 1926، ما سمح له بمعاصرة أبرز تيارات الجاز ومدارسه ومعاشرة أبرز رموزه منذ أربعينيات القرن الماضي. أتقن آلته والنمط الذي سيخوض غماره، ما جعله مطلوباً من معظم الأسماء التي كانت تصنع مجد الجاز قبل عقود. يكمن سرّه في أمرين: إتقانه التقني المطلق لآلته وإحساسه الخاص والجميل في التعبير. لهذا السبب، يستطيع أن يذهل بدقته ومهارته في المقطوعات التي تتطلب سرعة «رياضية» (كما في بعض تسجيلاته مع زميله، عاشق التقنيات الجهنمية، عازف البيانو باد باول)، كما يملك سحر التخدير في الجمل البسيطة والنوتات القليلة. عاش براون الحياة بكامل طاقته. لذا، فإن تعداد الأسماء الكبيرة التي عمل معها أو التسجيلات التي قادها أو شارك فيها، هو ضرب جنون، لكن لا بد من الإشارة إلى أن بداياته تعود إلى أربعينيات القرن الماضي عندما أدخله ديزي غيلسبي إلى فرقته التي كانت تضم تشارلي باركر (ساكس) وباد باول (بيانو) وماكس روتش (درامز). بعدها أسس فرقته، ثم بدأ تعاوناً هو الأغنى على مستوى غزارة التسجيل في مسيرته، مع عازف البيانو الكبير أوسكار بيترسون. أنجز براون عشرات التسجيلات، منها مع عمالقة البي- بوب المذكورين أعلاه أو مع بيترسون وغيره، مثل عازف التينور ساكس ستان غتس، عازف الفايبز ميلت جاكسون، لويس أرمسترونغ، بيلي هوليداي وإيلا فيتزجيرالد، الديفا التي ارتبط بها بزواج لم يدم طويلاً (1948 ـــ 1952). من يذكر حفلات «منيحة» لزياد الرحباني في صيف 2009، يذكر الفرقة المتنكرة التي حملت اسم «راي باند»، حيث «راي» تعني: راي براون!