أربع سنوات مرّت على آخر نفضة شهدتها «المنار»، لكن يبدو أنّ تلك الحالة ما زالت مستمرّة مع مشارف العام الجديد، مترافقة مع جمود تام في البرمجة السياسية ونشرات الأخبار. حالة أشبه بموت سريري تعيشها القناة على صعيد الشكل والمضمون رغم الأصوات المحتجة التي علت من داخل أروقتها، تشكو تراجع مؤسستهم على الساحة الإعلامية، وبالتالي السياسية. المشكلة بالطبع ليست مادية كما يقول مصدر في المحطة لـ «الأخبار».
هناك قرار داخلي يريد إبقاء الوضع على ما هو عليه، هذا عدا تعمّد الشاشة الصفراء منح أوراقها الرابحة الى غيرها من المحطات، رغم أنّها مؤهّلة لتصدر المراتب الأولى جماهيرياً.
إذاً، صورة الشاشة عينها جامدة في النشرات الإخبارية والبرامج السياسية مع إدخال تعديلات طفيفة. السبب يعود الى تلزيم مهندس واحد يشرف على أعمال الديكور منذ ما يقارب 20 عاماً. ومع أن كثيرين من خارج المحطة عرضوا خدماتهم المجانية في هذا المجال، وخصوصاً في مجالي الإضاءة و habillage الشاشة (غرافيكس، ألوان...) لكنّ أحداً لم يستجب لرغبتهم. علماً أنّه لا شيء يمنع المؤسسة من دخول باب الاحتراف. هذا في الشكل، أما في المضمون، فحدّث ولا حرج. رغم توافر فريق عمل من المراسلين المحترفين، الا أنّ السقف الموضوع في السياسة والاجتماع يحاصرهم، إضافة الى تكرار الوجوه نفسها في استديوهات تقديم نشرات الأخبار.
في استطلاعات الرأي التي جرت بُعيد الانتخابات النيابية عام 2009، تصدرت محطة المقاومة مع «الجديد» المراكز الأولى بين القنوات، الى أن أتت معركة المحكمة الدولية في العام التالي وحوّلت «المنار» من صانع للحدث الى ناقله، فبقيت بحكم المتفرّج وغاب عنها حسّ المبادرة. وبلغ الأمر ذروته، عندما صدر القرار الاتهامي الذي دان أربعة عناصر من «حزب الله» بضلوعهم في اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2011. فما كان من «المنار» الا أن ركنت جانباً، وتخلّت عن رصيد شعبي وإعلامي لمصلحة «الجديد». ظهر ذلك جلياً بعدما شهر الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله مستنداً يكشف تهريب حواسيب الى «إسرائيل» وتفصيل الخبر في اليوم التالي على «الجديد». بعدها، انهالت «الهدايا» على «الجديد» و«خطفت» جمهور المقاومة مع تسليم «المنار» المزيد من أوراقها الرابحة كعملية احباط زرع خطوط اسرائيلية في هواتف ثلاثة مقاومين.
باختصار، أفقدت معركة المحكمة الدولية، المحطة رصيدها الشعبي، وتركت ما يطلق عليه «الجمهور الشيعي» تتقاسمه كل من «الجديد» وأخيراً LBCI. ولعلّ الضربة القاصمة في عملية منح الأوراق الرابحة هو تخلي «المنار» عن عرض عملية أسر الجنديين الاسرائيليين عام 2006. بعدما اعتاد الجمهور أن يتابع العمليات العسكرية النوعية للمقاومة على شاشة حاضنتها الإعلامية، أهدت «المنار» زميلتها «الميادين» هذا السبق في الصيف الماضي بعدما جرى توليفه داخل «المنار» نفسها!
في أروقة المؤسسة، امتعاض شديد لا يُترجم بحراك فعلي على الأرض، وخصوصاً لجهة المراسلين الذي يعانون «اختناقاً» سياسياً وإعلامياً وحتى اقتصادياً. في هذا المجال، يكشف المصدر عينه لـ «الأخبار» أنّه منذ عامين وقّعت «المنار» مع أكثر من محطة اتفاقاً يمنع أي موظف عندها من العمل في إحدى هذه المؤسسات لغاية مرور عام كامل على استقالته من القناة، والأهم هو أخذ موافقة الإدارة قبلاً هذا إن حصلت! بهذه الطريقة، ضُيّق على الموظفين في تحقيق طموحاتهم المهنية المقترنة برواتب لا تليق بإنجازاتهم. هكذا نزفت «المنار» عندما غادرها عباس ناصر، حكم أمهز، حسين وفرح نور الدين، وعبد الله شمس الدين. يرى المصدر أنّ الخارجين من القناة كانوا محظوظين ربما في الالتحاق بمؤسسات تحضن طموحاتهم. واليوم، يُضيّق على الباقين داخلها، بل استُكثر عليهم حتى ورود أسمائهم لدى تقديم تقاريرهم في النشرات الإخبارية.
المحطة التي ولدت من رحم المقاومة عام 1991، رافعةً شعار «قناة العرب والمسلمين»، حملت على أكتافها جمهوراً عريضاً باتت الممثلة الحصرية له، لكن ها هي اليوم تغرق في سبات عميق، وتتراجع الى الخلف وتترك الساحة لمنافساتها، وتهمل القضايا الاجتماعية، لكن لمصلحة من؟ ولماذا؟ وكيف السبيل الى إعادة بثّ أوكسجين الحياة في شرايينها؟ وحده الجواب عند المسؤولين في القناة، الذين يعدون بأنّ العام الجديد سيشهد تغيّرات في المؤسسة على صعيد الشكل (استديوهات، حلة جديدة) والمضمون... فلننتظر ونرَ!