لندن | بعدما حقّق النيوزلندي من أصول إنكليزية بيتر جاكسون ضربته الكبرى باقتباس رواية «سيد الخواتم» بفصولها الثلاثة إلى الشاشة الكبيرة وما حصدتها الترجمة البصرية من نجاح جماهيري، ها هو يعود الى عوالم جي. آر. تولكين (1892 ــ 1973) السحرية، لكن هذه المرة عبر رواية «الهوبيت: رحلة غير متوقعة»، على أمل اقتباس فصولها التالية بعد اكتمال العمليات الإنتاجية والمخبرية في العامين المقبلين وبتقنية الأبعاد الثلاثة.
منذ نشر فصولها عام 1937 كرواية للأطفال على خلاف رغبة كاتبها، غدت «الهوبيت» الظاهرة الأدبية الأكثر إغراءً لعدد هائل من القراءات والتأويلات معاً. ملايين النسخ طبعت، وترجمت الى لغات عدة، من دون أن تفقد بريق الاقتراب من عوالمها السحرية وفانتازيتها الجامحة. ذلك أنّ تولكين، أستاذ الألسنيات والمهتم بجمع الأساطير والحكايات الشعبية، اتكأ على إرث غني بتلك الملاحم وعوالم أقرب الى «أوديسة» هوميروس، أو ما جاء في فصول «رحلات غاليفير» لمواطنه جوناثان سويفت.
بين الخيال الروائي وصنوه السينمائي، تنقلنا الرواية والفيلم (بلغت ميزانيته 270 مليون دولار) بأبعاده الثلاثة الاخاذة، الى مكان يسمى «وسط الأرض». نتعرف إلى مدينة «أربور» الخرافية، وكيف تغيّر قدرها إثر هجمة دموية شرسة شنّتها جحافل من المسوخ والتنانين العطشانة الى الذهب والسلطة. تلك الهجمة المدمّرة دفعت بسكان المدينة الأقزام الى الهرب والتطواف في أراضي المنفى بحثاً عن منقذٍ. ثم ينتقل الشريط الى الهوبيت، بيلبو باغينز (أيان هولم)، المسالم والسعيد بحياته الهانئة في قرية السلام والوفرة وسط مقاطعة شايرز كما يقول الراوي.
حياة بيلبو تنقلب رأساً على عقب حالما يظهر الساحر غاندلاف الرمادي (أداء رائع لأيان مكلاين الذي جسد في «سيد الخواتم: رفيق الخاتم» شخصية غاندلاف الرمادي، وفي «البرجان» و«عودة الملك» غاندلاف الأبيض)، ويدعوه لخوض مغامرة غير متوقعة. إنّها مغامرة الالتحاق برهط من الأقزام لتنفيذ عملية سطو، وغايتها المضمرة المساعدة في استعادة أملاك الأجداد وأراضيهم التي استحوذ عليها المارد «سماوغ»، وأودع مهمة حراستها الى مسوخ وعمالقة في بطون ومجاهل «الجبل المنعزل».
لكن حضور الأقزام الثلاثة عشر الى بيت بيلبو الهادئ والجميل يجعل تلك الليلة أشبه بالكابوس. بعد استرجاع تفاصيل تلك الليلة الاستثنائية، وما تخلّلها من أطياف وحوارات جانبية على شاكلة «أن تملك المفتاح بمعنى أنّ هناك باباً لدار»، أو «العقول المريضة قادرة على فعل الحماقات»، يستيقظ بيلبو في اليوم التالي، وقد اتخذ قراره الأصعب المتمثل في شدّ رحاله والالتحاق بمغامرة التعرف إلى عوالم تشحذ الخيال على حساب يومياته الرتيبة وهو يدخن غليونه الخشبي. رحلة تتيح له التعرف إلى معنى الألم والفقدان والحياة والعوالم الغريبة، والأهم ذاته. يقبل الدعوة ويمضي في دروبها من دون توافر الضمانات بسلامته كما ينبس قائد الأقزام الوسيم والوريث الوحيد لعرش وعز وثراء مدينة «أربور» ثورين أوكنشايلد (ريتشارد آرميتاج). فأن تكون شجاعاً، كما يقول غاندلاف، لا يعني قتل إنسان بل الحفاظ على حياته.
تنطلق الرحلة، ومعها نتابع ما يُسطر على الشاشة من عجائب وخوارق الجان والعفاريت؛ وسيوف مزركشة بألوان السماء، خواتم سحرية، خرائط غريبة الرسوم والمعاني، صقور عملاقة تحت أمرة صاحب السر، حيوانات صغيرة تنفذ مهمات قتالية، عوالم تلهب الخيال والمشاهد مسمّر في كرسيه. فيما تتطاير أمام المشاهد ــ عبر عدسات الأبعاد الثلاثة ــ صور لمعارك دموية كأنّه جزء من مشهدها. طيور غريبة تمر بجانبه، فراشات غريبة الألوان والأحجام تلامس وجنته أو تدور حول وجهه، وصراع بيلبو الدائم مع الشبح غولوم (الممثل البريطاني من أصول عراقية أندي سركيس) حامل الخاتم.
حكاية ليس صعباً تتبع فصولها، ولا تحتاج الى ضليع في عوالم تولكين ولغته السحرية لحل شيفرات رموزها ودلالاتها. إنّها حكاية عن رحلة خيالية، أبطالها الساحر والمعلم غاندلاف، وصاحب الإرث الضائع ثورين، وما أتاحته للشاب بيلبو من اكتشافات لم يجرؤ يوماً على خوض غمارها. ولعل الأجمل في شريط «الهوبيت» أنّ كتّابه حافظوا على الصياغات اللغوية الإنكليزية، نطقاً وتعبيراً وأداءً، تلك التي كتب فيها تولكين نصه من دون الوقوع في استعمال اللهجة الأميركية. في حين جاءت سينماتوغرافيا أندرو ليزني، المصوّر المعتمد لجاكسون، بمثابة الإضافة الواضحة لنص سحري يقارب عوالم الأطفال وخيالاتهم الخصبة على مدى حوالى ثلاث ساعات.



The Hobbit: «غراند سينما» (01/209109)، «أمبير» (1269)، «بلانيت» (01/292192)