تفادت الجزائر تداعيات «الربيع العربي»، احتفلت بخمسينية الاستقلال، وودّعت «سيدة الطرب» وردة التي لم تحقق ﺃمنيتها بالغناء في وطنها هذا العام، مثلها مثل مثقفين كثيرين تبقى ﺃمنياتهم برؤية جزائر ﺃفضل معلّقة ﺇلى ﺃجل غير معلوم. الركود والارتجالية سمتان خيّمتا على الساحة الثقافية عام 2012. احتفالية مرور خمسين سنة على الاستقلال توقّع المثقفون ﺃن تكون محطة لمراجعة ما مضى، والتفكير في خيارات المستقبل القريب، وطرح ﺃسئلة الذاكرة المشتركة مع الضفة الأخرى من المتوسط.

لكنّها تحولت ـــ في النهاية ـــ ﺇلى مجرد مهرجان ﺃلوان وشعارات، افتتحه الفنان اللبناني عبد الحليم كركلا بعرضه «ﺃبطال القدر»، واختتمه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في زيارته الأخيرة للجزائر العاصمة وتلمسان، وسط مطالبة التيار الوطني بضرورة اعتراف فرنسا بماضيها الكولونيالي في البلد، كما فعلت ﺇيطاليا مع ليبيا.
وبين الحدثين، حاولت وزارة الثقافة فرض نمطيتها في إنتاج ﺃفلام تمجّد ثورة التحرير، مثل «زبانا» لسعيد ولد خليفة، وفيلم ﺁخر عن المناضل كريم بلقاسم (1922ـــ1970) لأحمد راشدي (قيد الإنجاز). وفي مجموع خمسة أفلام طويلة ﺃنتجتها الوزارة، لم ينجح شريط واحد في تحقيق حضور ﺃو ﺇشادة دوليّتين كما فعل فيلم «التائب» لمرزاق علواش الذي ﺃنتجه صاحبه بإمكانياته الخاصة بعدما رفضت لجنة الرقابة الموافقة على سيناريو الفيلم الدي يحكي قصة ﺇرهابي سابق يستفيد من قانون العفو الرئاسي، مع رسالة واضحة توجّهها وقائع الفيلم إلى السلطة، متهمةً إياها بمحاولة طيّ صفحة سنوات العشرية السوداء من دون محاسبة المسؤولين عنها. جدل واسع رافق صدور الفيلم في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، تزامناً مع الجدل الذي ﺃثارته زيارة الروائي بوعلام صنصال لتل ﺃبيب، ثم زيارة فرحات مهني، المغني السابق وزعيم «الحركة من أجل استقلال القبائل» للكنيست، وتصريحاته التبريرية التي لم تقنع ﺃحداً في الجزائر، وقوله إنّ الكثير من المثقفين الجزائريين يزورون إسرائيل سرّاً من دون الإشارة ﺇلى اسم محدد.
صراع الأجيال و«التنابذ بالألقاب» هما ﺃيضاً من سمات المشهد الثقافي في بلد المليون شهيد. بعدما رحل الطاهر وطار عام 2010، كان لزاماً على الروائي رشيد بوجدرة (1941) ﺃن يجد خصماً جديداً له، ووقع الاختيار هده المرة على الروائي ياسمينة خضرا الذي لم يسلم من لسان بوجدرة في «معرض الجزائر الدولي للكتاب». صاحب «الحلزون الحزين» يبدو دوماً صريحاً في مواقفه من الآخرين، لكنّه غامض في مواقفه من النظام. لم يرفع أيّ من الكتّاب صوته عالياً إزاء تواصل الرقابة، ومنع الكتب سنوياً في معرض الكتاب بذريعة أنّها «تحرّض على التطرّف والكره» وتمجّد «الاستعمار». الكتاب يظلّ يدفع ضريبة غياب سياسة ثقافية واضحة المعالم في البلاد، وخصوصاً الكتاب الأدبي باللغة العربية الذي يتذيّل ـــ عاماً تلو الآخر ـــ سلّم الاهتمامات والمبيعات، لكنّ الصورة ليست قاتمة كلياً. في العتمة، يبرز خيط ضوء رفيع، ومبادرات شباب مبدع يحاول التأسيس لروح ثقافية جديدة، مثلما تفعل مجموعات سياسية ثقافية جديدة في الجزائر، وبعض دور النشر الصغيرة والمستقلة التي برزت أخيراً لكسر احتكار الدور القديمة وبعض المهرجانات السينمائية التي تعد بالكثير مثل «الأيام السينمائية في بجاية» التي بلغت في حزيران (يونيو) الماضي عامها العاشر، والفرق المسرحية المستقلة في وهران والجزائر العاصمة وقسنطينة. شباب جزائري يحاول ﺃن يرسم مشهداً ثقافياً يشبهه، ويحلم برييع جزائري ينسيه سنوات الركود والارتجال التي خيمت طويلاً.