دعا ناشطون ضمن لجنتي «كلنا سامي الفهري» و«إطلاق سراح سامي الفهري» إلى تنظيم مسيرة باتجاه سجن المرناقية للمطالبة باعتقالهم، احتجاجاً على عدم تطبيق القانون، مطلقين على تحرّكهم اسم «نصرة القضاء» بعد التجاوزات في قضية مدير قناة «التونسية» ومؤسسها! هذه الخطوة الجديدة تؤكد على التجاذبات العميقة التي تعيشها تونس بين الحكومة التي تسيطر عليها حركة «النهضة» الإسلامية، والإعلاميين المتهمين بالدفاع عن «الثورة المضادة».
لم يعرف الإعلام التونسي حراكاً مدافعاً عن حرية الإعلام يشبه ما حدث في 2012 التي عرفت أول إضراب عام في تاريخ الصحافة التونسية حقق صدى واسعاً في الصحافة العالمية. وكان الصحافيّون قد نظّموا الإضراب احتجاجاً على ممارسات الحكومة ومساعيها لتدجين الإعلام.
بدأت المواجهة مع الحكومة بعد أيام على تشكيلها عندما سارعت رئاستها إلى تعيين جملة من مديري المؤسسات العامة بطريقة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، لا بل زادت على ذلك تعيين «رؤساء تحرير»، ما لم يكن النظام السابق يجرؤ على فعله علناً. وعلى أثر التحرّك الاحتجاجي، تراجعت الحكومة عن تعيين رؤساء التحرير، قبل أن تحرّك «النهضة» أنصارها الذين نظّموا اعتصاماً استمر شهرين أمام مؤسسة التلفزة الوطنية حمل اسم «اعتصام الأحرار لتطهير إعلام العار»، وانتهى بالاعتداء على بعض الصحافيين. واتهمت نقابات التلفزة و«النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين» و«النقابة العامة للثقافة والإعلام» الحركة والوزير المستشار السياسي لرئيس الحكومة لطفي زيتون بالوقوف وراء حملة التجييش ضدهم التي أدت إلى الاعتداء على صحافيين من قناتي «نسمة» و«الحوار التونسي» وبعض الصحف المعروفة بمعارضتها، فضلاً عن تنظيم مجموعة مقرّبة من «النهضة» حملة تحت اسم «اكبس» استهدفت الإعلاميين، وهددت بإصدار قائمة سوداء تحتوي على أسماء الصحافيين المتهمين بالتعامل والاستفادة من النظام السابق. في السياق نفسه، سُجن مدير اليومية «التونسية» نصر الدين بن سعيدة لمدة أسبوع بسبب نشره صورة من صحيفة أجنبية اعتبرت «مخلّة بالحياء»، ما أدى بعدد من الصحافيين إلى المثول أمام القضاء بسبب مقالات، ما لم يكن يحدث أمام بن علي. ولجأ موظفو «دار الصباح» إلى الاعتصام المفتوح والإضراب عن الطعام، مطالبين بإقالة لطفي التواتي، أحد رجال النظام السابق والمتورط في الانقلاب على القيادة الشرعية للنقابة الوطنية للصحافيين سنة ٢٠٠٩، الذي عينته الحكومة مديراً عاماً للمؤسسة. وقد لاقى الاعتصام تعاطفاً وطنياً ودولياً كبيراً، دفع الحكومة إلى تنفيذ مطالب الصحافيين. لم تتوقف التجاذبات بين الحكومة والإعلاميين، فلا يزال مسلسل سامي الفهري المتهم بقضايا فساد وسرقة مستمراً، فيما اعتبر محامون وحقوقيون أنّ وزارة العدل ارتكبت أخطاء إجرائية تؤكد الطبيعة السياسية للقضية، وخصوصاً أن النيابة العامة ترفض الإفراج عنه رغم قرار محكمة التعقيب. وفيما يستمر التضييق على الإعلام المستقل، تواصل بعض الصحف الأسبوعية الصغيرة تشويه صورة المعارضين والمستقلين، مطلقة عليهم أبشع الصفات.
التجاوزات التي عرفها الإعلام في ٢٠١٢ كانت بسبب رفض الحكومة إصدار المرسومين ١١٥ و١١٦ وتشكيل هيئة مستقلة للإعلام المرئي والمسموع، ما دفع بالهيئة إلى الاستقالة احتجاجاً على عدم جدية الحكومة في معالجة ملف الإعلام وإصرارها على التحكم به. وكشفت السنة عن نهم الصحافيين للحرية وتوق السلطة الى إعادة إنتاج نظام بن علي الذي لم يكن يرى في وسائل الإعلام إلا فضاءات لتلميع صورته. وإذا كان لا بد من تقويم حصيلة المعركة المستمرة منذ سنة، فيمكن الجزم بأنّ صحافيّي تونس ربحوا معركة الحرية، كما أكدوا إصرارهم على عدم العودة الى بيت الطاعة الذي سكنوه سنوات طوالاً.