الجزائر| بعدما أوقعت الانتفاضة الشّعبية التي شهدتها الجزائر خلال الأيام القليلة الماضية، خمس ضحايا وأكثر من 300 جريح، بقيت مؤسسات الإذاعة والتلفزيون ـــ بمختلف محطاتها المحلية والفضائية ـــ تعتصم بالصمت. هكذا، تناست الثورة التي أعلنها شباب غاضب على تفاقم الأوضاع الاجتماعية، وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، وركّزت على تطوّر الأوضاع في تونس وساحل العاج. وبهذه الطريقة، أحكمت السلطة قبضتها على المشهد، بعدما رفضت منح تراخيص لمحطات تلفزيونية أجنبية، وبسطت يدها على الصحف اليومية المستقلة. بل تمادت كثيراً في تعسفها عبر عرقلة الإعلاميين من تأدية مهماتهم واعتقالها أخيراً مصطفى بن فضيل الصحافي في جريدة «الوطن»، ومنعه من تغطية تظاهرة شعبية في إحدى ضواحي الجزائر العاصمة.فوجئ كثيرون من تجاهل التلفزيون لما يحدث في عاصمة البلاد والمدن الداخلية. وبدل الالتفات إلى غضب الشباب وثورة الأحياء الفقيرة، بادر القائمون فيه إلى بثّ سلسلة من الأفلام الأجنبية والأشرطة الوثائقية التي تتغنى بجمال الصحراء وتدعو إلى تنشيط قطاع السياحة في جزائر تحترق يوماً تلو آخر. وتزامن تجاهل التلفزيون للأحداث الدائرة مع تواري المسؤولين عن الأنظار. هكذا، اختفت صورهم وأخبارهم التي اعتاد المواطن مشاهدتها يوميّاً، بعد تهرّبهم من تحمّل مسؤولياتهم وتفادي تقديم أدنى تصريح صحافي. كمال عمراني من يومية «لوسوار دالجيري» يقول: «رئيس الجمهورية ومختلف الوزراء اعتادوا تجاهل الشعب عند القضايا الدرامية الكبرى. هم ينتهجون منطق الصمت»... منطق يقود إلى «التعتيم وتضليل الرأي العام» وفق الصّحافية نوال ﺇيماس.
الأخطر في ما يحصل حالياً في الجزائر يتمثل في مسلسل الاعتقالات المبرمجة التي تمسّ ناشطين حقوقيين، وممثلين عن المجتمع المدني بحجة «التحقيق». تخطت أيدي البوليس حدود «المعقول» وراحت تفرض سياسة «الترهيب» بداية على المصوّرين الذين حاولت منعهم من نقل ما يجري على أرض الواقع. وهذا ما حصل في وقت سابق، مع مصوّر جريدة «الخبر» حمزة كالي الذي وجد نفسه في مواجهة لكمات الشرطة أثناء تغطيته حركة احتجاجية في حي باب الوادي الشعبي. كما تعرّض الصحافي مصطفى بن فضيل للاعتقال والتحقيق في جلسة دامت أكثر من أربع ساعات في محافظة شرطة سطاوالي في الجزائر العاصمة.
الأحداث الأخيرة التي كان أبطالها شباب منتفض في وجه النظام البوليسي الذي يقود البلد منذ أكثر من عشر سنوات، دفعت المؤرخ بنجامين ستورا إلى المقارنة بينها وبين أحداث 5 أكتوبر 1988 الشهيرة التي تمخضت عنها إعادة صياغة دستور البلد. فيما دعا الإعلام الحكومي إلى تجريم هؤلاء الشباب. هكذا، علّقت أمس جريدة «الشعب» الحكومية: «ما زالت الجزائر بخير ولا خوف عليها وعلى مستقبلها ما دام هناك رجال مخلصون وشباب عرف كيف يسحب البساط من تحت أرجل الذين حاولوا أن يسيّسوا «أيام الغضب»». ولم ترَ جريدة «الشروق» الموالية لحزب «حركة مجتمع السلم» ـــ أحد أحزاب الأغلبية في البرلمان ـــ حرجاً في تجريم المحتجين ووصفهم باللّصوص.
يبدو أن الجهات الرسمية في الجزائر تنتهج سبل «التجاهل» و«تضليل الرأي العام»، والتضييق على الصحافة المستقلة، وانتهاج سياسة «النعامة» من أجل إطالة عمرها قدر الإمكان. لكن تعدد مظاهر الغضب الشعبي، وخروج الفئات المحرومة إلى الشارع ينبآن بتفاقم الوضع وانفجاره خلال الأشهر المقبلة.