قبل عشرين عاماً، وفي أحد مختبرات سويسرا، تمكّن العالم البريطاني تيم بيرنرز لي من اختراع... الإنترنت. في عام 1990 إذاً أنشئت أول صفحة على الشبكة العنكبوتية، لتتوالى بعدها المواقع حتى وصل عددها اليوم إلى أكثر من ثلاثة مليارات موقع ومدوّنة وصفحة خاصة. لكن يبدو أن النقلة النوعية التي أحدثها الإنترنت في مختلف أنحاء العالم، كانت له نتائج عكسية على العالم العربي. وبدل أن تكون الشبكة وسيلة إعلام بديل يتمكّن بواسطتها الشباب من التعبير عن آرائهم، أصبحت أداة قمع، ورعب، فحاصرتها الحكومات، وخافت منها الأنظمة.
من تونس إلى سوريا، ومن السعودية إلى مصر والأردن... لم توفّر أجهزة الرقابة جهداً للتضييق على المدوّنين، وحجب المواقع «المعارِضة» أو تلك التي قد «تحرّض الرأي العام» على السلطة.
وقد يكون ما يجري في تونس والجزائر اليوم خير دليل على كلّ ما سبق. إذ عمد النظام التونسي الى اختراق حسابات عدد من الناشطين على «فايسبوك»، وتغيير كلمات السرّ الخاصة ببريدهم الإلكتروني، وحجب مواقع ومدوّنات كثيرة. وهي ممارسات طبيعية في تونس، لكنها ازدادت بعد انطلاق انتفاضة الشارع في الأسابيع الأخيرة. ولكن الحق يقال، فإن الأنظمة العربية لا تحتاج إلى ظروف استثنائية كتلك التي تمرّ بها تونس، لتضييق الخناق على المدوّنين. والدليل على ذلك، القرار الذي اتخذته الحكومة السعودية أخيراً بـ«ضرورة تسجيل جميع المدوّنات والمواقع الإلكترونية لدى وزارة الإعلام والثقافة». إنها الرقابة المباشرة إذاً تمارسها السلطة السعودية تحت ستار «حماية المجتمع». ولم تنف الحكومة أن تكون هذه الخطوة رقابية بامتياز، بل قالت إنّ كل مدوّن لا يحصل على ترخيص سيلاحق ويغرّم بمبلغ يتجاوز عشرين ألف دولار، إلى جانب إغلاق موقعه أو مدونته نهائياً. وفي إطار «تلطيف» هذا القرار بعد سلسلة ردود الفعل المنتقدة، وخصوصاً من «الشبكة العربية لحقوق الإنسان» و«هيومن رايتس ووتش»، أعلنت الحكومة أنها لن تفرض شروطاً أو محاذير على المدونين، بل تريد فقط «تنظيم العمل على الشبكة العنكبوتية». لكن يبدو أن هذا التصريح الأخير غير صحيح. إذ يُلزم هذا القرار جميع المدونين، حتى بعد حصولهم على الترخيص (مدته ثلاث سنوات) الالتزام بمعايير معينة، وأبرزها «الامتناع عن مضايقة الآخرين أو التعرض لاقتصاد البلاد أو أمنها، مع الالتزام بالشريعة الإسلامية» وهي تعليمات فضفاضة قابلة للتحريف. وهنا تجدر الإشارة إلى أن القرار الحكومي لا يشمل السعوديين الراغبين في إنشاء مواقع خاصة فحسب، بل أيضاً كل مواطن يرغب في وضع تعليق على منتدى أو في موقع إخباري!
وطبعاً، فإنّ خطوة السعودية هذه قد تلهم حكومات عربية عدة، وخصوصاً أن بعضها قد بدأ بالفعل العمل على السيطرة على القطاع الإلكتروني إن كان من خلال القوانين والتشريعات، أو من خلال فرض شروط تعجيزية على مستخدمي الشبكة. مثلاً في سوريا، يجري العمل حالياً على إقرار قانون جديد للإنترنت لا يخلو من المواد الرقابية المباشرة. كذلك الأمر بالنسبة إلى الأردن، وإن كانت تعديلات عدة قد أدخلت على نص القانون بعد المعارضة التي واجهها. أما في اليمن، فحدّث ولا حرج عن الرقابة المستمرة التي تفرضها السلطة، وكان آخرها منع الدخول إلى مقاهي الإنترنت بعد منتصف الليل.