هل بات الشعر محتاجاً إلى وسائط جديدة لكسر عزلته؟ سيواجهنا هذا السؤال ونحن نقف إزاء تجربة بصرية خاضها شاعر بحجم أدونيس، في محاولة لردم المسافة بين النص والمتلقّي. في شريط الـ«فيديو آرت» الذي أنجزه الباحث السوري فداء الغضبان تحت عنوان «أدونيس: سياسة الضوء» أو «الديوان الضوئي للشاعر أدونيس»، نجد أنفسنا وجهاً لوجه أمام مصطلح جديد هو «القصيدة الضوئية». أنجز الغضبان شريطه هذا بالتعاون مع «دار الصدى»، ومجلة «دبي الثقافية» التي نشرت مختارات من الفيلم بواسطة أسطوانة «دي. في. دي»، أرفقتها مع عدد كانون الثاني (يناير) الحالي. هنا نلتقي صاحب «الثابت والمتحوّل» في مشغله التشكيلي والشعري، من خلال إشارات دلالية، تسعى إلى تأويل النص على نحوٍ آخر. يدخل الكولاج الذي أنجزه أدونيس كنص تشكيلي من مواد مختلفة، بينها قصائد مكتوبة بخط يده، في متن التجربة. وإذا باللون يتحوّل إلى بوصلة تقود خطوات الشاعر إلى فضاءات أرحب في «رفع الحجاب عن نور المعنى»، وفقاً لما يقوله طلال معلّا.
الشريط الذي صُوّر على مرحلتين ينطوي على أطروحات جمالية في تفكيك النص الأدونيسي، ومعالجة الغموض الذي يَسِم شعره. كلّ ذلك من خلال مفردات بصرية تسعى إلى كشف ألغاز القصيدة وتحولاتها، من خلال مقاطع تنتمي إلى مراحل مختلفة ممتدة من «أغاني مهيار الدمشقي»، مروراً بـ«كتاب الهجرة والمطابقات»، و«أول الجسد آخر البحر» إلى «أمس المكان الآن».
يقول أدونيس في إحدى قصائده: «عش ألقاً... ابتكر قصيدةً وامضِ... زد سعة الأرض». كأنَّ هذا المقطع هو جوهر الفكرة ومقصدها. يواجه الشاعر العدسة بنظرة متحدّية في كادرٍ ثابت. يدخل السيناريو في فضاء آخر، محمولاً على كولاج آخر مع «الرقيمات»، بوصفها الوجه الآخر لأدونيس. هكذا يتكشَّف المشهد على نارٍ تلتهم جسد الشاعر. ثم تتوضح الصورة تدريجاً وهو يكتب اسمه وعنوان الشريط، منخرطاً في تظهير صورته المشتهاة.
يقول فداء الغضبان الذي درس سيكولوجيا الفنون، إنّ «الديوان الضوئي» هو الجزء الميداني من مشروعه الأكاديمي عن شعر أدونيس، وإنّ ما سعى إليه في هذا الشريط ليس شرح مفردات، قدر ما هو رؤية بصرية تحكمها قوانين لونية صارمة... وهو بذلك يستكمل مشروعه الذي بدأه منذ سنتين بعنوان «أنطولوجيا مرئية للشعر السوري».