اليوم يصدر العدد الأخير من الصحيفة الأسبوعية الساخرة Bakchich hebdo. بعد 15 شهراً (أيلول/ سبتمبر 2009) على إطلاق العدد الأوّل من هذه المطبوعة، ها هم المشرفون عليها يعلنون صراحةً أنّ الأزمة المالية أنهكتهم، وأنّ مغامرتهم الجريئة «وغير المحسوبة» شارفت على نهايتها. وبعد تصفية الصحيفة، يُتوقّع أن تُصدر محكمة باريس نهاية الشهر الحالي، قراراً يقضي بإقفال الموقع Bakchich.info، الذي أُطلق عام 2006، واستطاع جذب متصفّحين من مختلف أنحاء العالم.
قد تكون أزمة «بقشيش» تندرج ضمن سلسلة المشاكل التي واجهت الإعلام في السنوات الأخيرة، الذي لم يتمكّن من الصمود طويلاً في السوق، إلّا أنّ الأكيد أنّ السلطة الفرنسية لم تكن راضية يوماً عن أداء الموقع، ولا الصحيفة. كذلك، فإن اليسار الفرنسي بدا غاضباً من المقالات والتحقيقات التي ينشرها «بقشيش»، وهو ما أوضحه رئيس التحرير نيكولا بو، في افتتاحية الموقع مطلع الأسبوع، إذ أكّد أن قوى اليسار الفرنسي لم تفهم سبب انتقاد «بقشيش» لها بدلاً من التضامن معها. وقال: «لا أجد سبباً يمنع انتقاد الاشتراكيين، وخصوصاً عندما يرفضون انتقاد السلطة الدموية لنظام بن علي في تونس مثلاً». ولم ينسَ بو في افتتاحيته انتقاد الإعلام الفرنسي الذي تجاهل «بقشيش»، والقضاء الذي لم يتردّد في التضييق على الموقع والصحيفة.
إذاً يبدو أنّ تجربة «بقشيش» شارفت على نهايتها... إلّا إذا أعلن مستثمرون جدد نيتهم ضخّ الأموال في هذه الوسيلة الإعلامية، لإبقائها على قيد الحياة. وكان الموقع قد أعلن منذ فترة مواجهته مشاكل مالية كبيرة، إلّا أنّ دخول بعض المستثمرين أنقذ «بقشيش». وفي مطلع الصيف الماضي (2010)، عاد عدد من المساهمين ليدفع مبلغ قيمته 550 ألف يورو، مما ساعد المؤسسة الإعلامية على الصمود، حتى مطلع 2011.
وكان موقع «بقشيش» قد اشتهر بطريقته الساخرة في معالجة المواضيع، إلى جانب نشره مقالات تنتقد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وقد تعرّض للعديد من المضايقات بسبب ذلك، إلّا أنّ مجلس التحرير أصرّ على خطّه، وهو ما جذب القرّاء إلى الموقع، وجعله مصدراً بارزاً للمعلومات، وخصوصاً في ما يتعلّق بالفضائح المالية وقضايا الفساد، «لكننا لم نعتمد إلّا على الوقائع... الوقائع فقط لا غير هي التي تكلّمت في مقالاتنا» كتب نيكولا بو، وأنهى افتتاحيته بالقول «بعد عشرين أو ثلاثين سنة، سيغوص الباحثون في الأرشيف، وسيتحدّثون عن هذه المهنة الدقيقة، أي الصحافة المستقلة، وسيقولون إنّ مغامرة Bakchich hebo كانت قصة جميلة».
بالفعل، كانت مغامرة «بقشيش»، قصة جميلة، لكنها قصة لم يُكتب لها الاستمرار، كما هي الحال مع معظم وسائل الإعلام التي تحاول أن تقدّم مضموناً مختلفاً عن السائد، وعن المعالجة التقليدية للأزمات المحلية والعالمية.