اللقطة بثّها التلفزيون مراراً أول من أمس. محاميات ومحامون خلال وقفة اعتصام في تونس العاصمة. مشهد مألوف ضمن حركة الاحتجاج التي عمّت بلاد أبي القاسم الشابي، وإن كان أقلّ عنفاً من اللقطات الهاوية على اليوتيوب، حيث الشرطة تقمع المتظاهرين بالرصاص الحيّ. فجأة دارت الكاميرا حول المعتصمين، لتقترب من شاب أربعيني بـ«روب» المحاماة، وتُرينا الورقة التي كتب عليها بخط مغاربيّ أنيق: «لا خوف بعد اليوم».«الخوف» هذا الوحش الفظيع الذي يكبّل الشعوب العربيّة، ويتركها تتخبّط في مستنقع البؤس والعصبية والتخلّف، يمكن الانتصار عليه إذاً في النهاية، كما تغلّب أوديب على أبي الهول عند أبواب طيبة. في تونس دقت الساعة بعد ربع قرن من الانتظار على الأقل... صرنا خلاله لا نجرؤ على الحلم. ما إن تتحدّث عن التغيير، حتى يخيّرك حراس الهيكل بين جزمة الديكتاتور ولحى الإسلاموييّن. هذا المنطق لجأ إليه زميل قديم، قبل أسبوع فقط من سيدي بوزيد، ليبرّر لنا توقيعه، مع مثقفين آخرين، على «عريضة العار» التي طالبت زين العابدين بن علي بالبقاء رئيساً مدى الحياة، بصفته السدّ المنيع بوجه الاسلاميين! كأن «الردّة» الظلاميّة لعنة إغريقيّة استبدّت بنا، لا نتيجة منطقيّة للظلم والفساد والاستئثار بالسلطة.
ليس اليوم في شوارع تونس أصوليون، بل مواطنون يطالبون بالرغيف والحريّة. وبينهم أهل السينما والأدب والموسيقى والمسرح. بيانهم الهادر دار حول العالم: «باسم مطالب الشعب واحترام حقوق المواطن والإنسان في إطار دولة القانون...». كم أشتاق تونس الآن. أريد أن أكون بين رفاقي أمام المسرح الوطني، حيث وقف يوماً علي بن عيّاد، وحيث مات علي الرياحي وهو يغنّي.