«الشرائط المصوّرة هي التطوّر؛ لا تخافوا»، يقول ليوبولد فاندرمولن في افتتاحية عدد «لو موند ديبلوماتيك بالشرائط المصوّرة». قد يكون الكومكس «الحلّ الأكثر بداهةً لإعادة جذب القراء نحو التحليلات المحبطة» لمحرّري الجريدة الشهريّة، يكتب أستاذ علم الإشارات في تقديمه للإصدار الخاص. حتّى إنّه يعدنا باختفاء «لو ديبلو» بشكلها الكلاسيكيّ، لتحلّ محلّها طبعة من الشرائط المصوّرة حصراً!
يُطمئن المدير المساعد في «لو موند ديبلوماتيك» ألان غريش، القرّاء المتعلّقين بنسختهم التقليدية إلى أنّ «العدد الخاص ليس إلا تجربة». ويضيف: «إنّه خلاصة ورشة طويلة من الإعداد والنقاش خضناها على مدى ثمانية أشهر، جنباً إلى جنب مع رسامين معظمهم من الشباب، من جنسيات مختلفة... قد تتكرر التجربة مرة ثانية، لكنّها ستحتاج إلى بعض الوقت».
في «لو موند ديبلوماتيك بالشرائط المصوّرة»، يتحوّل الرسامون المشاركون إلى مراسلين صحافيين بمهمات خاصة. «اخترنا مواضيع تنسجم مع السياسة التحريرية للجريدة الأم، مع الأخذ في الاعتبار حساسيّة كلّ رسام»، يخبرنا غريش الذي أشرف على إصدار العدد مع غيوم بارو، ومنى شولي، وفيليب ريفيار. وبالفعل، تنسحب قضايا «لو موند ديبلوماتيك» الأثيرة، على مواضيع القصص المنشورة.
هكذا، تروي لنا الكوريّة الجنوبيّة جون هون شوي في قصّتها «شتاء كوريا الطويل» تاريخ بلادها كما شهدته، والخلافات المتتالية بين محافظين ومجددين، والمعارك الدمويّة التي خاضها شعبها بوجه الديكتاتوريات العسكريّة المتتالية. الرسام الفرنسي فابريس نو، يوجّه انتقادات لاذعة إلى النائب اليميني الفرنسي كريستيان فانست، المعروف بآرائه المحافظة في قضايا حقوق المثليين. يرسم نو قصة بعنوان «فرض الإنشاء لكريستيان الصغير في صف الثاني متوسّط»، ثمّ يتقمّص دور الأستاذ الذي سيضع علامة على هذا الفرض، ولنا أن نتخيّل أنّها لن تكون علامة جيّدة. مازن كرباج من جهته، يرسم قصّة بعنوان «رسالة إلى الأمّ»، يستهلّها بجملة ألبير كامو «اليوم ماتت أمي» من كتابه «الغريب»، تليها لقطات مرسومة لأبنية بيروت المهدّمة والمتصدّعة، من «الدوم» إلى برج المرّ، فتمثال ساحة الشهداء.
تعيدنا «لو موند ديبلوماتيك بالشرائط المصوّرة» إلى إشكاليّة الكومكس بوصفه فنّاً سياسياً. بعيداً عن منطق الحدثيّة كما في الكاريكاتور السياسي اليومي، تطرح هذه القصص المصوّرة نظرة باردة، ونقديّة، وشاملة، للقضايا الراهنة. كأنّها جهد بحثي مطوّل، شبيه بتحليلات «لو موند ديبلوماتيك» الرصينة، لكن بأدوات جديدة. كأنّها وثيقة مرجعيّة، يمكن أن نعود إليها في أي وقت، لنلقي نظرة على واقع العالم المأزوم، لكن بلغة الفكاهة. «يقدّم الرسامون جميعاً رؤية راديكاليّة لتجاذبات العلاقات الدوليّة، والصراعات الدائرة في العالم، والهواجس الاقتصاديّة والاجتماعية الملحّة»، يلفت غريش.
في الخلاصة، تأخذنا التجربة إلى زمن كانت فيه القصص المصوّرة منبراً للثورة، ترافق فورة الروك، وتحركات التحرر الجنسي («بارباريلا» للفرنسي جان كلود فورست مثلاً)، أو تناهض عقوبة الإعدام، وسياسات التسلّح النووي («أفكار سوداء» للبلجيكي أندريه فرانكين). يأتي العدد الخاص أيضاً لتكريس فورة الكومكس السياسي، بعد صدمة «برسيبوليس» مرجان سترابي، وتجربة الريبورتاج المرسوم كما خاضه باتريك شابات في غزّة...